مكان الثرى من الثريَّا! ولِمَ هذا التنطُّع! ولم هذه المكابرة في إنكار النَّسْخِ وقد أقرَّه الجمهور سلفًا وخلفًا، وأين يذهب هؤلاء المنكرون للنَّسْخِ وقد لزمتهم الحجة، ووضحت أمامهم المحجة، وإني لتأخذني الدهشة عندما أرى واحدًا من أولئك يقول في الآية برأيه، ويضرب بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عرض الحائط، فينكر النَّسْخَ مثلًا في هاتين الآيتين بآية النور، وبالحديث الذي كان منهما بمنزلة البيان والتخصيص والتفصيل، ولو أنصف نفسه لم يظلمها بالقول في كتاب الله بالهوى، ولَأَرَاح واستراح، ووقَى نفسه شر العقوبة التي توعَّده الله بها في الدنيا والآخرة.
١١- قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ ١.
منسوخة بقوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ ٢.
"وقيل: إنها غير منسوخة؛ لأنها تدل على توريث مولى الموالاة، وتوريثهم باقٍ، غير أن رتبتهم في الإرث بعد رتبة ذوي الأرحام، وبذلك يقول فقهاء العراق"٣.
والأصح أنها منسوخة، لكثرة الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين، والقول قولهم عند التحاكم في أمر النَّسْخِ وأسباب النزول، وغير ذلك من أمور العقيدة والشريعة.
من هذه الآثار:
قال البخاريّ: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِي﴾

١ سورة النساء: ٣٣.
٢ الأنفال: ٧٥.
٣ مناهل العرفان للزرقاني ج٢ ص١٥٩.


الصفحة التالية
Icon