ومرادهم بالنَّسْخِ هنا معناه الواسع الشامل لتخصيص العام وتقييد المطلق، وغير ذلك كما بيناه في مفهوم النَّسْخِ عند السَّلَفِ في أول هذا المبحث.
١٧- قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ ١.
قيل: منسوخة بقوله سبحانه: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ ٢؛ لأن الآية خبر بمعنى النهي، بدليل قراءة "لا ينكح" بالجزم، والقراءات يفسِّر بعضها بعضًا.
والأصح عندي -والله أعلم- أنه لا نسخ في الآية؛ لأن الآية لها معانٍ يمكن أن تُحْمَلَ عليها؛ بحيث لا تتعارض مع قوله: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ ٣.
فمن معانيها: أن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك ﴿الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَان﴾ أي: عاصٍ بزناه، ﴿أَوْ مُشْرِك﴾ لا يعتقد تحريمه.
وهذا قول ابن عباس -رضي الله عنهما، رواه عنه أكثر من واحد بطرق صحيحة كما يقول ابن كثير٤.
وكذلك روى نحوه عن مجاهد وعكرمة، وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان.
ومن معانيها: الزاني لا يتزوج إلا زانية، أي: معروفة بالزنى؛ لأنه لا يرضى أن يتزوج بها إلا مثلها.
وقراءة ﴿لا يَنْكِح﴾ بالجزم، وهي المروية عن عمرو بن عبيد٥ على النهي. تدل على حرمة نكاح الزانيات إلّا إذا ظهرت توبتهن، وآية ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى﴾

١ النور: ٣.
٢ النور: ٣٢.
٣ النور: ٣٢.
٤ انظر ج٦ ص٧.
٥ انظر البحر المحيط ج٦ ص٤٣١.


الصفحة التالية
Icon