وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال فقال: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ١.
وفي أخرى: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون﴾ ٢.
ويعرِّفه بعضهم بأنه: قول محكي سائر، يُقْصَد به تشبيه حال الذي حكى فيه بحال الذي مثل لأجله، بأن يُشَبِّه مضربه بمورده٣.
"وضرب المثل في الكلام أن يذكر لحال ما يناسبها، فيظهر من حسنها أو قبحها ما كان خفيًّا، وهو مأخوذ من ضرب الدراهم، وهو إحداث أثر خاص فيها، كأن ضارب المثل يقرع به أذن السامع قرعًا ينفذ أثره إلى قلبه، ولا يظهر التأثير في النفس بتحقير شيء وتقبيحه إلّا بتشبيهه بما جرى العرف بتحقيره ونفور النفوس منه"٤.
وقد يكون ضرب المثل مشتقًا من قولك: "ضرب في الأرض" أي: سار فيها.
فمعنى ضرب المثل: جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد، وهذا ما ذهب إليه أبو هلال في مقدمة كتابه٥.
وقد يكون معنى "ضرب المثل": نصبه للناس بإشهاره، لتستدل عليه خواطرهم، كما تستدل عيونهم على الأشياء المنصوبة.
واشتقاقه حينئذ من قولهم: "ضربت الخباء" إذا نصبته وأثبت طنبه، فمثلًا قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ ٦.
معناه: ينصب منارهما ويوضِّح أعلامهما؛ ليعرف المكلَّفون الحق بعلاماته

١ الحشر: ٢١.
٢ العنكبوت: ٤٣.
٣ انظر التعبير الفني في القرآن ص٢٢٧ للدكتور بكري شيخ أمين.
٤ تفسير المراغي ج١ ص٧٠ ط. الحلبي.
٥ انظر مقدمة كتاب جمهرة الأمثال.
٦ الرعد: ١٧.


الصفحة التالية
Icon