ومن الأمثال القرآنية التي تصلح شاهدًا لهذا قول الله تعالى في سورة الحشر:
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ١.
إن إنزال القرآن على جبل من الجبال ليس من خبرات الناس حتى يُضْرَبَ المثلُ به للإقناع أو للتقريب أو لغير ذلك من الأغراض التي سبق شرحها، لكنه مَثَلٌ يحرِّك في الأذكياء طاقاتهم الفكرية، ويوجِّه عنايتهم حتى يتأمَّلوا ويتفكَّروا ويدرسوا ويتابعوا البحث، رجاء أن يصلوا إلى معارف يحلُّون بها لغز هذا المثل.
ويشير إلى هذا قول الله تعالى عقب ضرب المثل:
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
فما جاء في المثَل يحتاج إلى تفكُّر، وأشار إلى بعد مدرك هذا النوع من الأمثال بقوله: ﴿َتِلْكَ﴾ إذ من المعلوم أن هذه الإشارة تستعمل فيما هو بعيد حسًّا أو معنًى أو منزلة.
وبعد. فهذه أهم المقاصد التي اشتملت عليها الأمثال القرآنية.
وهي مقاصد عامة يندرج تحتها كثير من الأهداف الجزئية التي ينقِّب عنها الباحث المحقِّق المدقق، المتعمِّق في أصول الشريعة واللغة.
فالأمثال القرآنية كما ذكرنا فيما سبق قواعد عامة، أو أصول كلية يندرِج تحتها من المسائل الفرعية والأمور الجزئية ما لا ينحصر.
والقرآن الكريم -كما نعلم- كتاب وافٍ بمطالب البشر على اختلاف أجناسهم وعصورهم وبيئاتهم، فما من صغيرة ولا كبيرة مما يحتاج الناس إليه إلّا وسِعَها تشريعه، وشملها بيانه، فهو كتاب هداية، ومنهج حياة.

١ آية: ٢١.


الصفحة التالية
Icon