﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾.
فقد زعموا أن الملائكة بنات الله، وجعلوا بينه وبين الجِنَّة نسبًا، فأقسم بهم لبيان وظائفهم، وتحديد مكانتهم، وإثبات كماله في ذاته، وبيان أنه الواحد الأحد، رب السماوات والأرض وما بينهما.
فلو جيء بمقسَم به آخر غير الملائكة، فقيل مثلًا: "والذاريات ذروًا" أو قيل: "والنجم إذا هوى" لاختلَّ نظم الكلام ونسق المعاني، ولذهب وجه فريد من وجوه الإعجاز البياني، وعلى ذلك فقس. وبالله توفيقك.
الفرق بين القسم والحلف:
ونختم هذا المبحث ببيان الفرق الدقيق بين القَسَمِ والحلف، تتمة للفائدة.
قال أبو هلال العسكري: "الفرق بين القسَم والحلف أن القسم أبلغ من الحلف؛ لأن معنى قولنا: أقسم بالله: أنه صار ذا قسم بالله.
والقسم: النصيب، والمراد أن الذي أقسم عليه من المال وغيره قد أحرزه، ودفع عنه الخصم بالله.
والحلف من قولك: سيف حليف، أي: قاطع ماضٍ.
فإذا قلت: حلف بالله؛ فكأنك قلت: قطع المخاصمة بالله، فالأول أبلغ، يتضمَّن معنى الآخر مع دفع الخصم، ففيه معنيان، وقولنا: حلف، يفيد معنًى واحدًا، وهو قطع المخاصمة فقط، وذلك أن من أحرز الشيء باستحقاق في الظاهر فلا خصومة بينه وبين أحد فيه، وليس كل من دفع الخصومة في الشيء فقد أحرزه.
واليمين اسم للقسَم مستعار، وذلك أنهم كانوا إذا تقاسموا على شيء تصافحوا بأيمانهم، ثم كثر ذلك حتى سُمِّيَ القسم يمينًا"١.