ومن كناياته: قوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ ١.
فقد صوَّر حال الظالمين يوم القيامة بصورة محسَّة يراها الناظر إلى من اشتدَّ ندمه، واستفحلت مصيبته وحسرته.
ومنها قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ ٢.
فتقليب الكفَّين كناية عن الأسف والندم أيضًا، إلّا أن هذا قد وقع في الدنيا، وذاك يقع في الآخرة.
لهذا عبَّر عنه بصورة أبلغ في الدلالة على شدة التحسُّر، وهو العضُّ على الأيدي.
ومنها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ ٣.
فانظر كيف صوَّر الله -عز وجل- الغيبة بأكل لحم الميتة، وأيّ ميتة؟، إنها لحم أخيه الذي نهشَ عِرضه وقال فيه ما يكره.
فقد شبَّه مَنْ ينهش أعراض الناس، بمن ينهش لحوم الأموات؛ تنفيرًا منها، وتبشيعًا لعواقبها.
"وقال ابن الأثير في "المثل السائر" في بحث الكناية:
كُنِّيَ عن الغيبة بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتًا، ثم جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولًا بالمحبة.

١ آية: ٢٧.
٢ آية: ٤٢.
٣ الحجرات: ١٢.


الصفحة التالية
Icon