وما زاد الباقلاني -رحمه الله- على أن ضمَّن كتابه روح عصره، وعلى أن جعله في هذا الباب، كالمستحث للخواطر الوانية، والهمم المتثاقلة في أهل التحصيل والاستيعاب الذين لم يذهبوا عن معرفة الأدب، ولم يغفلوا عن وجه اللسان، ولم ينقطعوا دون محاسن الكلام وعيوبه، ولم يضلوا في مذاهبه وفنونه، حتى قال: إن الناقص في هذه الصنعة كالخارج عنها، والشادي فيها كالبائن منها، وقد كانت علوم البلاغة لم تهذَّب لعهده، ولم يبلغ منها الاستنباط العلمي، ولم تجرَّد فيها الأمهات والأصول، ككتب عبد القاهر ومن جاء بعده، فبسط الرجل من ذلك شيئًا، وأجمل شيئًا، وهذَّب شيئًا، ونحا في الانتقاد منحى الذين سبقوه من العلماء بالشعر وأهل الموازنة بين الشعراء، وكانت تلك العصور بهم حفيلة.
وبالجملة فقد وضِعَ ما لم يكن يمكن أن يوضع أوفى منه في عصره، بيد أن القرآن كتاب كل عصر، وله في كل دهر دليل من الدهر على الإعجاز.
وممن ألَّفوا في الإعجاز أيضًا على وجوه مختلفة من البلاغة، والكلام، وما إليها: الإمام الخطابي المتوفي سنة "٣٨٨"، وفخر الدين الرازي المتوفَّى سنة "٦٠٦"، والأديب البليغ ابن أبي الإصبع المتوفَّى سنة "٦٥٤"، والزملكاني المتوفَّى سنة "٧٢٧"، وهي كتب بعضها من بعض" أ. هـ١.
وتتابع الغيث من بعد هؤلاء، فأُلِّفَت في الإعجاز البياني والتشريعي والعلمي كتب كثيرة، ورسائل جامعية، جاء فيها مؤلفوها بجديد في هذه المناحي الثلاثة.
وسيظل كتاب الله منهلًا عذبًا يرتوي منه كل باحث متدبر.

١ بتصرف يسير من كتاب "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" ص١٥١، ١٥٤.


الصفحة التالية
Icon