"فظاهر هذه الرواية يدل على أن جابرًا استند في كلامه على أن أوَّل ما نزل من القرآن هو المدثر، إلى ما سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهو يحدِّث عن فترة الوحي، وكأنه لم يسمع بما حَدَّثَ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم عن الوحي قبل فترته، من نزول الملك على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حراء بصدر سورة اقرأ "كما روت عائشة"، فاقتصر في إخباره على ما سمع ظانًّا أنه ليس هناك غيره، اجتهادًا منه، غير أنه أخطأ في اجتهاده بشهادة الأدلة السابقة في القول الأول، ومعلوم أن النصَّ يُقَدَّمُ على الاجتهاد، وأن الدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال، سقط به الاستدلال، فبطل إذًا القول الثاني، وثبت الأول"١.
أقول: لعل جابر بن عبد الله أراد أن أوائل المدثر نزل في أول الرسالة، وآيات سورة العلق نزلت في بدء النبوة، وبذلك يرتفع الإشكال بدليل قوله تعالى: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾.
أول أن آيات المدثر من أوائل ما نزل، لا أول ما نزل على الإطلاق -والله أعلم.

١ انظر مناهل العرفان ج١ ص٨٧، ٨٨.

آخر ما نزل:
اختلف العلماء في آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق اختلافًا كثيرًا، لعدم وجود أثر صحيح مسند إلى رسول الله -صلى الهل عليه وسلم، يُعْتَمَد عليه في تحقيق ذلك على وجهٍ يقطع الخلاف، ويزيل الالتباس، وقد انتهت أقوال العلماء في هذا الأمر إلى عشرة أقوال أشهرها أربعة:
الأول: آخر ما نزل قوله تعالى في سورة البقرة:
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ ١.
١ آية: ٢٨١.


الصفحة التالية
Icon