وهذا التعريف غير ضابط، لأنه لوحظ فيه المخاطبون، فإن في المكي ما صدر بيا أيها الذين آمنوا، وفي المدني ما صدر بيا أيها الناس.
وفيهما ما لم يصدر بأحداهما.
سورة الحج -مثلًا- مكية وفي آخرها:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ١.
وسورة النساء مدينة وأولها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ ٢.
ومن ذلك في المكي والمدني كثير.
ويمكننا أن نقول: إن هذا التعريف يجري مجرى الغالب، إلّا أنه من شأن التعريف أن يكون جامعًا مانعًا، وجريانه مجرى الغالب لا يجعله كذلك.
فالمراد لا يدفع الإيراد -كما يقولون.

١ آية: ٧٧.
٢ النساء: ١.

ضوابط كلية لتمييز المكي من المدني:
علمنا أن طريق معرفة المكي والمدني من القرآن النقل الصحيح عن الصحابة، ثم عن التابعين ومَنْ بعدهم، وعلمنا أن أشهر المصطلحات وأصحَّها في تعريف المكي والمدني، هو أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، ونريد أن نعرف هنا أن هناك ضوابط كلية لمعرفة كلٍّ منهما، مبناها على الغالب والكثير ترجع إلى اللفظ، أو إلى أمور معنوية، وأن هناك أيضًا خواص ومزايا، ومقاصد وأغراض، انفرد بها كلٌّ منهما عن الآخر، وهي أمور دقيقة يتوقف إدراكها على شيء من إعمال الفكر، وإنعام النظر، ومعرفة واسعة بعلوم الشريعة واللغة.


الصفحة التالية
Icon