وما على الباحثين إلّا أن يشمِّرُوا عن ساعد الجدِّ، ويخترقوا أسوار التقليد إلى الآفاق الرحبة يفتحها لهم القرآن بعباراته وإشاراته، فيستنبطوا منه ما ينفع أمتهم في دينها ودنياها، ويستلهموا منه الرشد في حلِّ المشكلات المعاصرة التي بلغت الغاية في التعقيد والتعجيز.
وإنا لقادورن -إن شاء الله تعالى، إذا ما تمسَّكْنَا بهذا الكتاب المبين، وتدبَّرْنَاه بحرية وأمانة وفق المقاييس التي رسمها لنا فيه -على تحقيق ما نصبو إليه في حاضرنا ومستقبلنا.
وإني أحاول أن أضرب في كتابي هذا بسهم متواضع في تبصير الناس ببعض ما يتعلَّق بهذا القرآن العظيم من البحوث المهمة التي تعينهم على تدبره، وفهم معانيه ومراميه، والعمل بما جاء فيه، عسى أن أُحْشَر يوم القيامة مع خدمته فأفوز فوزًا عظيمًا، وهو رجاء عبد ليس له من العمل الصالح ما يجعله أهلًا له إلّا أن رحمة الله واسعة، وفضله عظيم.
وقد التزمت في تأليف هذا الكتاب أمورًا ثلاثة:
الأول: تهذيب الأسلوب وتيسيره بحيث يكون -بفضل الله تعالى- مناسبًا لأهل العصر على اختلاف درجاتهم في الثقافة والفهم، مبينًا كل لفظ أراه غامضًا، وموضحًا كل قول أراه يحتاج إلى مزيد بيان.
وهذا الإلتزام جعلني أتحاشى النصوص الوعِرَة التي تكثر فيها الصناعة اللفظية المتكلفة، أو الألفاظ المعقدة أو الغريبة، واختار النصوص السهلة الجزلة التي تخلو من الركاكة والتعقيد.
فإن كان النص لا يتمشَّى مع سهولة الأسلوب وعذوبته، وفيه من العلم ما نحن في حاجة إليه نقلته بالمعنى، وقلت في نهايته: أفاده فلان أو ذكره فلان بمعناه.
أو قلت في أوله: ذكر فلان ما حاصله، أو ما فحواه كذا وكذا.
أو كتبت في هامش الصفحة: راجع كتاب كذا وكذا أو انتهي بتصرف، وما أشبه ذلك.