فإن كان المراد بها غير ذلك على ما ذكرناه في كتاب مفرد لذاك، وتأسيًا بمصحف الأئمة التي أنفذها الصحابة إلى الأمصار، فإنها كانت سبعة على ما نطقت به الأخبار، ووقع اختيارهم من أئمة القراءة على كل مختار"١.
الشبهة الثانية: يقول المفترون من المستشرقين ومن نحا نحوهم من أهل الزيغ والضلال: إن اختلاف القراء في قراءة القرآن على سبعة أحرف، والأحاديث الدَّالة على أنه نزل على سبعة أحرف، تدل على أن في القرآن اختلافًا كثيرًا، بينما ينفي الله عن هذا القرآن الاختلاف، ويجعل وجوده دليلًا على أنه ليس من عنده.
والجواب أن الاختلاف الناشئ عن الأحرف السبعة هو اختلاف في طرق الأداء في دائرة محدودة، لا تعارض بين معانيها، ولا تضارب بين أحكامها.
والاختلاف المنفي إنما هو التعارض في المعاني، والتناقض في الأحكام والأخبار.
الشبهة الثالثة: "قالوا: إن بعض الروايات في اختلاف القراءات تثير الشك في القرآن، وتفقد الثقة فيه، ففي بعض الروايات تخيير الشخص أن يأتي باللفظ أو بمرادفه، أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى، من ذلك حديث أبي بكرة من رواية أحمد، وفيه: "كلها شافٍ كافٍ، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك: تعالى، وأقبل، وهلمَّ، وأسرع، وعجِّل".
ومن ذلك أيضًا ما روي عن ابن مسعود، "أنه أقرأ رجلًا: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾ فقال الرجل: طعام اليتيم، فردها عليه، فلم يستقم بها لسانه، فقال: أتستطيع أن تقول: طعام الفاجر؟ قال: نعم، قال: فأفعل".
والحقيقة أن كثرة الأقوال، وتهافتها، وضعف الروايات وسقوطها، مكَّن لأعداء الإسلام من التهجُّم على الكتاب الخالد، الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، وأتاج لهم فرصة الاعتراض والتشكيك.
نعم، وإن سماحة الإسلام فتحت مجال القول والكتابة على مصراعيه،

١ ص٥، ٦.


الصفحة التالية
Icon