نشأة علم القراءات:
من المعلوم لدى المشتغلين بالعلوم الشرعية أن المعوّل في تلقي القرآن الكريم هو السماع والمشافهة من ثقة عدل ضابط عن مثله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الصحابة القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسماع والمشافهة، ومن لم يسمع منهم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، سمعه من مثله، ومنهم مَنْ أخذ القرآن عنه -صلى الله عليه وسلم- بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرَّقوا في البلاد، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابع التابعين من التابعين، وهلمَّ جرَّا حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء المشهورين الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات يضبطونها، ويعنون بها، وينشرونها بين العباد في كل وادٍ وناد.
"هذا منشأ علم القراءات واختلافها، وإن كان الاختلاف يرجع في الواقع إلى أمور يسيرة بالنسبة إلى مواضع الاتفاق الكثيرة كما هو معلوم، لكنه -على كل حالٍ- اختلاف في حدود السبعة الأحرف التي نزل عليها القرآن، وكلها من عند الله، لا من عند الرسول، ولا من عند أحد من القراء أو غيرهم"١.
وقد اشتُهِرَ في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة بحفظ القرآن وتحفيظه.
فاشتُهِرَ بذلك من الصحابة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأُبَيّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم.
وقد بعث عثمان بن عفان مع كل مصحف أرسله إلى الأمصار قارئًا ماهرًا من القراء، يجيد القراءة التي عُنِيَت بها النسخة التي يحملها ليعلِّمَ الناس ويقرئهم.
وممن اشتُهِرَ من التابعين بالحفظ والتحفيظ بالمدينة: ابن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وزيد بن أسلم، ومسلم بن جندب، وابن شهاب الزهري، ومعاذ بن الحارث، المشهور بمعاذ القارئ.

١ انظر مناهل العرفان ج١ ص٤٠٦.


الصفحة التالية
Icon