فكان الناس بالمدينة على قراءة نافع، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالشام على قراءة ابن عامر.
هذا وأوَّل مَنْ ألَّفَ في علم القراءات: أبو عبيد القاسم بن سلَّام، وأبو حاتم السجستاني، وأبو جعفر الطبري، وإسماعيل بن إسحاق.
ولم يقتصرْ واحد منهم في تأليفه على هؤلاء السبعة المشهورين، وظلَّ الحال على ذلك حتى اشتهرت من القراءات على كثرتها سبع قراءات لسبعة أئمة أعلام، ولكنها لم تأخذ طريقها إلى التدوين مجموعة في كتاب واحد حتى نهاية القرن الثالث الهجري، أو قبل نهايته بقليل.
ثم جاء أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي، المولود في بغداد سنة ٢٤٥ للهجرة، والمتوفَّى سنة ٣٢٤ للهجرة، فألَّفَ كتابًا في هؤلاء السبعة المشهورين، فناقش فيه أصحاب القراءات السبعة ورواتهم، وذكر أنسابهم وأساتذتهم وتلاميذهم، وذكر وجوه قراءتهم على كثرتها، ووثَّقَها بالأسانيد الصحيحة.
والسبب في اقتصاره على السبعة، مع أن في أئمة القرَّاء مَنْ هو أجلَّ منهم قدرًا، أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرين جدًّا، فلمَّا تقاصرت الهمم اقتصروا بما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتُهِرَ بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراء، والاتفاق في الأخذ عنه، فأفردوا من كل مَصْرٍ إمامًا واحدًا.
وقد أراد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كما قلنا في الشبهة الأولى من المبحث السابق موافقة المصاحف السبعة التي أرسل بها عثمان -رضي الله عنه- إلى الأمصار، ولم يرد -رحمه الله تعالى- حصر وجوه الكلمات في سبعة، ولم يرد إلزام أحد بهذه القراءات المروية عنه.
وقد أضيف إلى القراءات السبع ثلاثة أخر، اشتُهِرَت عن الأئمة الأعلام، وصحَّت أسانيدها واشتهرت، فقامت الشهرة مقام التواتر، وهي:


الصفحة التالية
Icon