فقال لي: "بدخولك العراق تعارضنا، وتفخر علينا أو نحو هذا... ". ثم قال لي: "قم بنا إلى ذلك -لشيخ كان في المسجد- فإن له بمثل هذا علمًا".
فقمنا إليه، وسألناه عن ذلك فقال:
"إنما هو مجتابي النمار، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم، والنمار: جمع نمرة"١.
وإذا كان العلماء قد وقفوا بالمرصاد لهذه التصحيفات الخاطئة فقبحوها مستبشعين٢، وذموا المصحّفين، ونهوا عن الأخذ١ عنهم، وذكروا ما ورد من نوادر التصحيف مما وهم فيه الخليل٣، وأبو عمرو٤، وعيسى بن عمر٥، وأبو عبيدة٦، والأخفش٧، وغيرهم.
أقول: إذا كان العلماء قد وقفوا بالمرصاد لما روى هؤلاء -وهم أئمة- فماذا ترى أن يكون موقفهم٨ بجانب كتاب الله الكريم والمصحِّفين فيه، وهم المدققون في روايته، وكانوا القوامين عليه ومن حفظته، ثم هم الذين وقفوا جهودهم على سدانته؟
ومن عجب! يمدح خلف الأحمر بأنه لا يأخذ إِسناده عن الصحف، فيقول فيه الحسن بن هانئ:
لا يَهِمُ الحاءَ في القراءةِ بالخَا | ءِ ولا يأخذُ إسنادَه عن الصُّحُفِ٩ |
أودى جماع العلم مذ أوى خلف | راوية لا يجتني من الصحف |
٢ التصحيف للعسكري: ص٨.
٣ التصحيف: ٣٦.
٤ التصحيف: ٤٣.
٥ التصحيف: ٤٧.
٦ التصحيف: ٤٩.
٧ التصحيف: ٥٢.
٨ وانظر في تعقب العلماء للتصّحيف والمصحِّفين: الفاضل والمفضول للمبرد: ٨٢، وطبقات الزبيدي: ١٠٢، ونزهة الألباء: ٣٦، والزهر: ٢/ ٢٣٢.
٩ التصحيف: ١٣.