أجل ذلك. من هؤلاء عيسى بن عمر البصري الثقفي، صاحب الإكمال والجامع؛ كان الغالب عليه حب النصب إذا وجد لذلك سبيلا منه١، قرأ: "وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا"٢، وقرأ: ﴿الزَّانِيَةَ وَالزَّانِيَ﴾ ٣، ولم يقرأ أحد من القراء العشرة٤، بل القراء الأربعة بعدهم، بشيء من ذلك٥.
فإن قلت: لقد ضربت مثلا بإمام بصري، فهلا كان ذلك من كوفي؟
فالجواب ما قال الفراء في معاني القرآن -في مواضع كثيرة منه- ولو قرأ قارئ بكذا كان صوابا... وعلى سبيل المثال ما قال: ولو قرأ قارئ: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ نصبا، كان صوابا إذا جعلت أن وما حرفا واحدا٦، ولم يقرأ به واحد من سبعة ابن مجاهد، ولا الثلاثة الذين بعدهم٧، ولا الأربعة الذين بعد هؤلاء٨.
وهنا يجمل أن أورد قول "جولدتسيهر": "من أهم ما تجده من هذا القبيل، يشير إلى اختلاف القراءات فيما أهمل شكله من القرآن: تلك القراءات المختلفة في حروف هذه الكلمة "أن"، وهل هي أَنَّ أو إِنَّ بالتشديد فيما؟ أو هي فقط أَنْ بدون التشديد؟ وفي سورة آل عمران٩ نجد مثالا لذلك يتبين فيه كيف يحاول الفن النحوي أن يجد سبيلا لهذا، أو ذاك"١٠.
وقد رجعت إلى هذه الآيات في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ١١، ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ ١٢، ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ١٣، رجعت إلى هذه الآيات، ثم تعرفت على القراءات الأربع عشرة، فما وجدت خلافا بينهم في قراءة
٢ س ٥: آ ٣٨.
٣ س ٢٤، آ ٢.
٤ انظر النشر: ٢/ ٢٥٤، ٣٣٠.
٥ انظر إتحاف فضلاء البشر: ١٩٩، ٢٢٢.
٦ معاني القرآن: ١٠١.
٧ انظر النشر: ٢/ ٣٢١.
٨ انظر الإتحاف: ٣٠٥.
٩ آيات ١٦-١٨.
١٠ المذاهب الإسلامية: هامش ٧.
١١ آية ١٦.
١٢ آية ١٦.
١٣ آية ١٨.