ومع اختلافهم في حرف ﴿مُوصٍ﴾ على هذا النحو بالتخفيف والتشديد، فإنه لا خلاف بينهم في ﴿يُوصِيكُمُ﴾ بالتخفيف، مع أن الرسم يحتمل التشديد كذلك.
وكذلك يقال في: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ في لقمان، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ في عسق، فمن قرأ بالتشديد حجته قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ ١، ومن ترك التشديد حجته قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ ٢.
هذا فيما هو خاصّ بالضوابط الحركية، أما ما هو خاصّ بالنقط، ففي القرآن كذلك الدليل:
روى حفص عن عاصم: ﴿أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ وحجته في ذلك: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وقرأ حمزة: "سوف نؤتيهم" بالنون، وحجته قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ﴾ وقوله: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ ٣، فيجب أن تترك الحجة الواهية التي يقول بها "جولدتسيهر" أن الرسم يحتمل التشديد والتخفيف، ويُركَن إلى القول بالرواية، ما دامت -أي: الرواية- قد ورد الدليل عليها صريحا مرويا في أماكن أخرى.
وسادسًا: نجد إماما من الأئمة، اشتغل بالنحو فصار فيه مقدما، واشتغل بالقراءات حتى عد من القراء السبعة، ومع ذلك تجده يخالف قارئا٤ مذهبه نحويا٤، وأسوق لذلك مثلين أحدهما لقارئ من نحاة البصرة "كأبي عمرو" والآخر من نحاة الكوفة "كالكسائي"؛ لأوضح ما أقول:
قال ابن خالويه: "وأدغم أبو عمرو وحده الراء في اللام: "من يغفر لكم" وما شاكله في القرآن، وهو ضعيف عند البصريين"٥.
٢ سورة الحديد: آية ٢٧.
٣ الحجة للفارسي: ٣/ ٣٠١.
٤ منصوب على الحال.
٥ الحجة لابن خالويه، وجه ورقة ١٠.