قراءة ابن عامر قياسية: إذا استعمل التاء والتثقيل في موضع أجراه في جميع النظائر، وغيره يقول: "في سورة كذا بالثاء، وفي سورة كذا بالياء، وفي موضع سِدًّا، وموضع آخر سُدًّا، وخراجا وخَرجا، وكُرها وكَرها... "؛ ثم قال:
"فإن قال خصم: أوليس قد ناقض ابن عامر في غير موضع؟
أجبناه: لو لم يناقض لزهدنا في قراءته، وظننا به الظنون؛ لأن القراءة لا تؤخذ بالقياس به، فلما ناقض علمنا أنه متبع وناقل، إلا أن نقله وافق القياس"١.
واقرأ بعد ذلك ما أورده مكي بن أبي طالب حموش القيسي في كتابه الإبانة، وفيه دليل على أن اختلاف القراء فيما يحتمله خط المصحف ليس مرجعه أن الرسم غفل من النقط؛ وإنما مرجع الاختلاف النقل عن الرسول والصحابة، قال:
"فإن سأل سائل فقال: ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة فيما يحتمله خط المصحف، فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع، والمعنى واحد نحو:
جُذوة وجِذوة وجَذوة؟
وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع، وفي المعنى نحو: يسيركم وينشركم؟
وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟
فالجواب عن ذلك: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان قد تعارف بينهم من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا بما شئتم".
وبقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كلٌّ شافٍ كافٍ"، ولإنكاره -صلى الله عليه وسلم- على من تمارى في القرآن -والأحاديث في ذلك كثيرة- فكان كل واحد منهم يقرأ كما علم، وإن خالف قراءة صاحبه لقوله، صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا كما علمتم" ٢.
٢ الإبانة لمكي بن أبي طالب: ١٥، تحقيق المؤلف، مطبعة الرسالة، القاهرة، وطبع الطبعة الثانية بمكتبة الفيصلية بمكة المكرمة.