وجد له وجهًا من كلام العرب١، وذلك يجعله بين أهل الأثر، ويبعده عن أصحاب القياس والنظر.
وقد رأيت أبا جعفر الطبري "ت ٣١٠هـ" يروي في كتابه: جامع البيان في تفسير القرآن، القراءات المختلفة مسندة إلى من قرأها، يستجيز منها بعضًا فيرجحه، ولا يستجيز بعضًا فيفسده، كما رأيته يتخذ من وسائل الترجيح رسم المصحف، ويقول: "ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين"٢. وفي الاحتجاج لقراءة: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾ ٣ يقول: "وعلى هذه القراءة قراءة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم، وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه، ووفاقه خط مصاحف المسلمين"٤.
والرسم عند أبي إسحاق الزجاجي "ت ٣١١هـ" لا يخالف، ويتخذه الزجاج حجة في تحذير القارئ أن يقرأ بما يخالفه، ويحتج الزجاج برسم المصحف في اللغويات، والإعراب، والصرفيات. وإليك مثالًا لكل واحدة من هذه٥:
قال في الاحتجاج برسم المصحف في اللغويات: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ أي: سكنت قلوبكم، ويقال: اطمأن الشيء إذا سكن، وطمأنته إذا سكنته، وقد روي: اطبأن -بالباء- ولكن لا تقرأ بها؛ لأن المصحف لا يخالف البتة.
ويقول محتجا برسم المصحف في الإعراب: وأما رفع ﴿يُؤْتُونَ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ فعلى الرفع: فلا يؤتون الناس نقيرًا إذًا، ومن نصب فقال: فإذا لا يؤتوا الناس جاز ذلك في غير القراءة، فأما المصحف فلا يخالف.
تعليق: قرأ بالنصب ابن مسعود٦.
وأما تحذيره القارئ أن يقرأ بما يخالف الرسم فيما يتعلق بالصرفيات، فذلك

١ انظر الصاحبي لابن فارس: ١١.
٢ جامع البيان: ٢/ ٤٨.
٣ سورة المؤمنون: آية ٦٠.
٤ جامع البيان: ١٨/ ٢٣.
٥ يرجع إلى معاني القرآن للزجاج، في مواطن الآيات التي وردت في هذه الأمثلة.
٦ انظر البحر المحيط: ٢/ ٢٧٣.


الصفحة التالية
Icon