قوله: "وأما من يرتدد فهو الأصل؛ لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضاعفين ظهر التضعيف نحو قوله: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ ولو قرئت: "إن يمسّكم قرح" كان صوابًا، ولكن لا تقرأن به لمخالفة المصحف، ولأن القراءة سنة".
ويمثل أبو بكر بن مجاهد "ت ٣٢٤هـ" مدرسة الأثر تمثيلًا خالصًا، فهو في كتاب القراءات يحتج بما حدّث به الشيوخ مسندًا إلى الإمام القارئ، كما يحتج برسم المصحف.
وفي الاحتجاج بالرسم يقول: "قرأ ابن عامر وحده: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾ بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام"١.
ومن أجل تمسك ابن مجاهد بالإسناد عن شيوخه، ورسم المصحف في الاحتجاج، دفع الوزير ابن مقلة إلى تعذيب ابن مقسم الذي خالف في قراءته الأساس الأول؛ إذ كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف؛ ووجهًا في العربية، فالقراءة بها جائزة، وإن لم يكن لها سند٢، كما عذب ابن شنبوذ الذي كان يقرأ معتمدًا على السند، وموافقة العربية، وإن خالف المصحف الإمام٣.
وكان ابن خالويه "ت ٣٧٠هـ" مولعًا بالاحتجاج برسم المصحف، متعبدًا بما رسم الكاتبون في السواد -على حد تعبيره- وقربه ذلك من مسلك أهل الأثر، وفيما يلي أمثلة مختلفات تجلي ما كان لابن خالويه من اتجاه:
أ- قال ابن خالويه: "قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ قرأه حمزة بإشباع فتح الشين، ووقفه على الياء قبل الهمزة، وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة، والحجة له في ذلك أنه أراد صحة اللفظ بالهمزة وتحقيقها على أصلها، فجعلها كالمبتدأ، وسهل ذلك عليها أنها في حرف عبد الله مكتوبة في السواد شاي بالألف... "٤ وقد رسمت كذلك في مصحفه حيثما وردت في القرآن الكريم٥.

١ الحجة: ١/ ٤٧٢، مراد ملا.
٢ طبقات القراء: ١/ ١٢٤.
٣ طبقات القراء: ٢/ ٥٤.
٤ الحجة لابن خالويه: وجه ورقة ص٦.
٥ انظر المقنع للداني: ٥٦.


الصفحة التالية
Icon