أما مكي بن أبي طالب "٤٣٧هـ" في كتابه الكشف، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني "٤٤٤هـ" في الموضح، فقد كانت العبارة التي تتردد في كتابيهما حتى اتخذت ما يشبه النماذج التعبيرية: "هذا مع اتباعه -أي القارئ الذي يحتج له- رسم المصحف، أو نحو ذلك١، وهذا ظاهر عند الداني في الاحتجاج لمذاهب القراء في ذوات الياء من الأسماء والأفعال، مما هو مرسوم في المصحف بالياء"٢، وسأناقش رأيه بعد حين.
هذه أمثلة لمواقف بعض النحاة، والقراء من رسم المصحف والاحتجاج به، والملاك العام عندي في هذا الأمر:
"أن القراءة سنة؛ فما خالف منها ظاهر الخط فلا سبيل إلا إلى القراءة به، مرجحين جانب النقل والرواية، وما وافق منها الرسم فذلك نور على نور".
وذلك ما يشير إليه أبو شامة "٦٦٥هـ" حيث يقول: "القراءة نقل، فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى، وليس اتباع الخط بمجرده واجبًا ما لم يعضده نقل، فإن وافق فبها ونعمت"٣.
ومن ذلك ما ذكره الداني عن شيوخه، عن عاصم الجحدري قال:
"في الإمام مصحف عثمان بن عفان في الحج: ﴿وَلُؤْلُؤًا﴾ بالألف٤، والتي في الملائك٥: "ولؤلؤٍ" خفض بغير ألف"٦. قال الشيخ السخاوي: وهذا الموضع أول دليل على اتباع النقل في القراءة؛ لأنهم لو اتبعوا الخط، وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه، لقرءوا هنا -أي: في سورة الحج- بألف: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ وفي فاطر بالخفض: "جنات عدن يدخلونها فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ"٧.

١ انظر مثلًا في الكشف اللوحات: ١٠، ٥٠، ٦٢، ٤٨٥، ٤٧٢.
٢ يراجع الموضح في هذا الباب.
٣ إبراز المعاني: ٤٠٦.
٤ سورة الحج: آية ٢٣.
٥ سورة فاطر: آية ٣٣.
٦ انظر المقنع: ٤٢، ومورد الظمآن: ٢٢.
٧ وانظر عقيلة أتراب القصائد، وشرحها تلخيص الفوائد: ٤٤، ٤٥.


الصفحة التالية
Icon