تعالى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُم... ﴾ فإن كرم الله لن يضيق بثوابه على القارئين لكتابه، المتعبدين بما به، ولن يكون ضيقًا حرجًا بالإدغام، وواسعًا عفوًا بالإظهار! فثواب التلاوة ثابت في كلتا الحالين بقدر ما تخشع القلوب، وتلين الجلود!!
أما أبو علي الفارسي، فقد أراد أن يحتج للقراءات بطريق القياس والنظر، فبعُد بذلك عن القول بالنقل والأثر، ولم يقل بأن القراءة سنة إلا حين لا يستطيع أن يجري مقاييس العربية، على قراءة من القراءات المروية.
وقد سلك هذا المسلك؛ لأنه نصب نفسه للدفاع عن كتاب الله في عصر تغشاه الإلحاد، وتفشاه الكيد للإسلام، فكان عليه أن يدافع عن القرآن بالحجج التي يحتج بها أعداؤه: بالقياس والنظر.
وأرجو أن يكون مفهومًا -وهذه عقيدة الفارسي- أنه لا يقول برسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة، ولكنه ترك جانب الأثر إلى غيره من الجوانب التي دعته إليها دواعي العصر الذي كان يعيش فيه.
والأمر مع الداني -ومن تأسى به كابن القاصح-١ حيث جعل من أسباب الإمالة أن تكون الألف رسمت بالباء، وإن كان أصلها الواو يحتاج في تقويمه إلى كلام مفصل طويل، ولكني أوثر جانب الإيجاز٢.
وأختصر المعالم الكبرى للرأي في ذلك فأقول:
لا علاقة بين الإمالة ورسم المصحف، وأدعم ذلك:
أ- بالرسم العثماني.
ب- وبالأثر المروي.
جـ- وبما ورد في أوراق البردي المحفوظة بدار الكتب، والمخطوطة في القرن الرابع الهجري.
٢ يرجع في تفصيل ذلك إلى بحث القراءات واللهجات العربية: الإمالة، للمؤلف من ص١٦٧ إلى ص١٩٧.