خط المصحف، فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع والمعنى واحد، نحو: جذوة وجذوة وجذوة١، وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع وفي المعنى، نحو: يسيركم، وينشركم٢، وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟
فالجواب عن ذلك: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان قد تعارف بينهم من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا بما شئتم".
ولقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شاف كاف".
ولإنكاره -صلى الله عليه وسلم- على من تمارى في القرآن.
والأحاديث كثيرة، سأذكر منها طرفًا في آخر هذا الكتاب، إن شاء الله.
فكان كل واحد منهم يقرأ كما عُلِّم، وإن خالف قراءة صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا كما علمتم".
وحديث عمر٣ مع هشام بن حكيم٤ مشهور، إذ تخاصم معه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قراءة سمعه يقرؤها، فأنكرها عمر عليه، وقاده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ملبَّبًا بردائه٥، فاستقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- كل واحد منهما، فقال له: "أصبت"، ثم قال:
"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا بما شئتم".
فكانوا يقرءون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وجّه بعضهم إلى البلدان؛ ليعلموا الناس القرآن والدين.
وقرأ عاصم: ﴿جَذْوَةٍ﴾ بفتح الجيم، وقرأ حمزة وخلف بضمها، والباقون بكسرها، وهي لغات ثلاث في الفاء كالرشوة والربوة. "إتحاف فضلاء البشر: ٣٤٢".
٢ في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [يونس: آية ٢٢].
قرأ ابن عامر وأبو جعفر: "ينشركم" من النشر ضد الطي أي: يفرقكم، والباقون ﴿يُسَيِّرُكُمْ﴾ أي: يحملكم على السير، ويمكنكم منه "الإتحاف: ٢٤٨".
٣ عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين.
٤ هشام بن حكيم صحابي، لم يترجم له ابن الجزري في طبقات القراء.
٥ جمع ثيابه عند نحره، ثم جره مخاصما له.