ومَن لا يصحّ، ولذلك يُمكنُ القول: إِنَّ المعتدلين مِنْ أهلِ العربيةِ قد ارتضوا تاريخًا وَسَطًا على وجه التقريبِ بين ذي الرمةِ المتوفى سنة ١١٧ هـ من جهةٍ، وإبراهيم بن هَرمة المتوفى سنة ١٧٦ هـ من جهة أخرى، فجعلوا سنة ١٥٠ هـ وهي منتصف القرن الثاني الهجري فيصلًا في خلافهم، يأخذون بشعر مَنْ عاشَ قبل هذا التاريخ، ويُعرِضونَ عن شعر من عاش بعده، وعلى هذا يكون الشاعرُ ابن ميادة المتوفى سنة ١٤٩ هـ (١) آخرَ شعراءِ العربية الذين يَجبُ أَنْ يُتوقفَ عندهُ في الاحتجاج والاستشهادِ، وإن كان الأصمعي يرى التوقف عند ابن هَرْمَة.
غير أَنَّ هذا الإجِماعَ الذي ذكره السيوطي على عدم الاستشهاد بشعر المولَّدين قد خرَجَ عليه بعض العلماء، فقد نقلَ عَن عددٍ من أهل العربية الاستشهاد ببعض الشواهد لشعراء من هذه الطبقة، غير أَنَّهُ لم يكن اعتمادًا كليًا على هذه الشواهد، وإِنَّما هو أشبهُ ما يكون بالاستئناس، حيث يرد الشاهد مقترنًا بغيره، أو بقراءةٍ شاذةٍ، فضلًا عن أَنَّها شواهدُ قليلةٌ لا تُمثِّلُ نسبةً ذات دلالة في هذا الشأن. فقد استشهد أبو عبيدة عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)﴾ [الصافات: ٤٧] (٢) بأَنَّ معناها: ليس فيها غَول، والغَولُ أَن تغتالَ عقولَهم. واستشهد بقول مطيع بن إياس (٣):

ومَا زالتْ الكأسُ تغتالُنا وتذهبُ بالأَولِ الأولِ (٤)
_________
(١) اختُلف في سنة وفاة ابن ميادة (الرماح بن أبرد الرياحي)، فقيل سنة ١٣٦ هـ، وقيل سنة ١٤٩ هـ، وقيل غير هذا. وقد ناقش هذه الأقوال الدكتور حنا جميل حداد (محقق شعر ابن ميادة) وأثبت صحة قول من قال إنه توفي سنة ١٤٩ هـ. انظر: ابن ميادة وشعره ٥٠ - ٥٣.
(٢) الصافات ٤٧.
(٣) هو مطيع بن إياس الكنائي، من بني ليث بن بكر، مدح المنصور وابنه جعفر، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، توفي سنة ١٦٦ هـ انظر: معجم الشعراء للمرزباني ٤٥٤، خزانة الأدب ٩/ ٤٤٩.
(٤) مجاز القرآن ٢/ ١٦٩.


الصفحة التالية
Icon