عبد الله بن عمرو في قراءة قوله تعالى: ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] (١)، فكان معاوية وعمرو يقرآن: ﴿حَامِيَة﴾، وكان ابن عباس يقرأ: ﴿حَامِيَةً﴾. فطلبا من عبد الله بن عباس شاهدًا من الشعر على صحة ما ذهب إليه، فلم يستحضر شاهدًا، غير أنه بعد خروجه لقي نافع بن الأزرق، وكان نافع يحفظ شعر تُبَّع، فأنشده قوله:

فرأَى مغيبَ الشمسِ عند غُروبِها في عَينِ ذي خُلُبٍ وثأطٍ حَرمدِ (٢)
والخُلُب هو الطين، والثأط هو الحمأة، والحرمد هو الأسود (٣). فأيد هذا الشاهدُ الشعريُّ قراءةَ ابن عباس (٤).
وهذان المثالان اللذان تذكرهما كتب التفسير من استشهاد الصحابة بالشعر على تفسير مفردات قرآنية فحسب، يمكن اعتبارها بداية لطريقة أصبحت فيما بعد من الطرق التي اتبعها المفسرون في تفسيرهم للقرآن الكريم بلغة العرب.
ويمكن من خلال الأمثلة القليلة المتوفرة وصف طريقة الصحابة في الاستشهاد بالشعر على تفسير القرآن الكريم، في التالي:
١ - ذكر الشاهد الشعري مجردًا من الشرح. وذلك كالمثال السابق الذي نُقل عن عمر بن الخطاب، فقد سأل الهذلي عن الشاهد على صحة قوله: إنَّ التخوَّفَ عندهم هو التنقص، فذكر له الشاهد الشعري، فَسَلَّمَ له، ولم يطالبه بشرح بيت الشعر، مع أن الذين ذكروا البيت بعد ذلك شرحو معناه، لخفاء بعض عباراته مثل «التَّامِك» و «القَرِد» و «السَّفَن» (٥).
وكذلك ابن عباس في مسائله فإنه لا يزيد على أن يقول ألم تسمع
_________
(١) الكهف ٨٦.
(٢) ينسب هذا البيت لتُبَّع اليماني كما في تفسير القرطبي ١١/ ٤٩، والبحر المحيط ٦/ ١٥٩، ويُنْسَب لأمية بن أبي الصلت كما في ديوانه ٣٣٥.
(٣) انظر: غريب القرآن لابن قتيبة ٢٧٠.
(٤) انظر: الكشاف ٢/ ٧٤٤.
(٥) التامك: السنام المرتفع، والقَرِدُ: المرتفع، أو كثيرُ القردان، والسَّفَن: المِبْرَدُ الذي ينحت به الخشب. انظر: الموافقات للشاطبي ١/ ٥٩ حاشية المحقق.


الصفحة التالية
Icon