وقول الطبري كذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ [البقرة: ٩٦] (١): «وأما تأويل قوله: ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾ فإنه بِمُبْعِدِه ومُنَحِّيه، كما قال الحطيئة:
وقالوا:

تَزَحْزَحْ مَا بِنَا فَضْلُ حَاجةٍ إليكَ، ومَا مِنَّا لِوَهْيِكَ رَاقِعُ
يعني بقوله: تَزَحْزَح، تَبَاعَدْ» (٢).
والبيت ليس للحطيئةِ وليس في ديوانه، وإنَّما هو للشاعر قيسِ بنِ الحدَّاديةِ (٣) من قصيدة طويلة له رواها أهل الأدب (٤).
ومن الأمثلة على الوهم في نسبة الشاهد الشعري قول ابن عطية: «والطامسُ: الداثرُ المُغَيَّرُ الأعلام، كما قال ذو الرمة:
مِنْ كُلِّ نَضَّاحَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ عُرَضْتُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ» (٥).
وهذا البيت ليس لذي الرمة، وإنما هو لكعب بن زهير رضي الله عنه، من قصيدته المشهورة بالبُرْدَةِ في مدح النبي - ﷺ - (٦)، وقد نصَّ على ذلك ابن عطية نفسه في موضعٍ سابقٍ من تفسيره (٧)، غير أنه وهم في هذا الموضع، ولهذا أمثلة أخرى (٨).
الثانية: أن يكون هذا البيان ناقصًا.
ما تقدم كان تفصيلًا للمقصود بالتقدمة المبينة للشاهد الشعري بيانًا
_________
(١) البقرة ٩٦.
(٢) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٣٧٥.
(٣) هو قيس بن منقذ بن عبيد بن أصرم، والحدادية أمه، وهي من بني حداد من كنانة. شاعر جاهلي قديم كثير الشعر، له مع عامر بن الظرب العدواني حديث، كان فاتكًا صعلوكًا. انظر: الأغاني ١٤/ ١٤٢، الحماسة البصرية ٣/ ١٠٩٠.
(٤) انظر: الأغاني ١٤/ ١٥٤.
(٥) المحرر الوجيز ٤/ ١٤١.
(٦) انظر: ديوان كعب بن زهير ٨٦، وشرح قصيدة كعب بن زهير ١٧٥، تفسير الطبري (هجر) ٧/ ١١٧.
(٧) انظر: المحرر الوجيز ٢/ ١٨٤.
(٨) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ٣١٩ - ٣٢٠.


الصفحة التالية
Icon