على أن للشاهد الشعري مكانته بين الشواهد في الدلالة اللغوية والنحوية ونحوها ولو كان شاهدًا مفردًا، مِمَّا يَجعل المفسرين يكتفون به في الاستشهاد (١).
الثانية: ما ورد له شاهدان.
قد يزيد المفسر في الاستشهاد على المسألة أو المفردة على الشاهد الشعري المفرد، فيدعمه بشاهد شعري آخر يقويه ويؤكده، ومن أمثلة ذلك قول الطبري: «والعربُ تُسمِّي الريحَ العاصفَ التي فيها الحصى الصغار، أو الثلجُ، أو البَرَدُ والجَليدُ حاصبًا، ومنه قول الأخطل:

وَلقدْ عَلِمْتُ إذا العِشَارُ تَروَّحَتْ هَدَجَ الرّئالِ يَكُبُّهُنَّ شَمَالا
تَرمي العِضَاهَ بِحَاصبٍ مِنْ ثَلْجِهَا حتى يَبِيْتَ على العِضَاهِ جُفَالا (٢)
وقال الفرزدق:
مُستقبلينَ شَمالَ الشامِ تَضربُنَا بِحَاصبٍ كَنديفِ القُطنِ مَنْثُورِ (٣)» (٤).
فقد أورد شاهدين على أن العرب تُسمِّي الريحَ العاصفَ التي فيها الحصى الصغار، أو الثَّلج، أو البَرَدُ والجَلِيدُ حَاصِبًا، وربما يكون إيراده لشاهدين من الشعر رغبة في تقوية الحجة؛ لغرابة مثل هذه اللفظة في دلالتها على هذا المعنى، أو ندرة ذلك وخفائها على العامة.
_________
(١) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ١٠/ ٥٠٣، الكشاف ١/ ٣٢، ٣٣، ٤٣، ٤٤، ٤٥، ٤٩، ٦٩، الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٨٤، ١٩٦، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٧، ٢١١، ٢٢١، ٢٢٦، ٢٢٧، ٥/ ١١، ١٣، ٢٠، ٢٧، ٨/ ٧٨.
(٢) العِشَارُ: النوقُ التي مضى على حملها عشرة أشهر، الرئال: جَمع رَأَل، وهو ولد النعام، والهَدَجُ: العَدْوُ المتقارب، وتَكُبُهُنَّ: تَميل بِهنَّ، والعِضَاهُ: جَمع العِضَةِ، وهي نوعٌ من الشجر، والحاصبُ: السحاب الذي يرمي بالبَرَدِ والثلجِ وهو وجهُ الشاهد عند الطبري هنا، والجُفَالُ: المتراكم.... انظر: ديوانه ٢٤٨.
(٣) انظر: ديوانه ١/ ٢١٣.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ٢٠/ ٣٦، وانظر: ١٧/ ٤٩٨ - ٤٩٩.


الصفحة التالية
Icon