ثقافةِ المُجتمعِ، ولم يكن هناك أثر للإسلام في الثقافة والشعر إلا في فترة متأخرة (١). وهناك من الباحثين من يرى أن فن الهجاء ظلت معايِيْرهُ جاهليةً دون تغيِيْرٍ بعد مَجيء الإسلام (٢)، وأن المديح ظلَّ يتغنَّى بالصفات الجاهلية التي كان الجاهليون يَعدُّونَها المَثَلَ الأعلى (٣)، ومثل ذلك يقال في شعر الحرب والفخر والرثاء، هذا من ناحية الأغراض والموضوعات.
أما ناحية الأساليب فيرون أن الشعراء لم يهجروا ما درجوا عليه في الجاهلية من أساليب، فلم يتأثروا بأسلوب القرآن الكريم في التذكير والوعد والوعيد والمحاجة ونحوها من الأساليب، ويرون أَنَّهُ إن صحَّ أَنْ يُقالَ: إِنَّ هناك تغيرًا ما فيقال في حقِّ شعراءِ المدينةِ فحسب (٤).
وقد أرجع بعض الباحثين السبب الذي حَملَ هؤلاء الباحثين على القول بأنه لم يكن هناك أثر يذكر للإسلام على الشعر وعلى الشعراء الذين عاصروا صدر الإسلام إلى عدم توفرِ نصوصٍ كافيةٍ تُمثلُ أَدب هذا العصر، بسبب إهمالِ الرواة لها في كتب الأدب والشعر، في حين حفلت بها كتبُ السيرةِ وكتب التراجم، وهو مع ذلك متفرق فيها لا تكاد تَجدهُ مُجتمعًا في كتاب منها دون كتاب (٥).
وسبب آخر يُمكن إضافته وهو أَنَّ هناك من الباحثين من يخلط بين موقف النبي - ﷺ - من الشعر، وبين نفي صفة الشاعرية عن القرآن والنبي - ﷺ -، وذكروا أنَّ الإسلام قد قَلَّلَ من شأن الشعرِ، وذَكَرَهُ في موطنِ الذمِّ. والصحيحُ عند الباحثين المطلعين على شعر هذه المرحلة أَنَّها قد
_________
(١) انظر: تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ ١/ ٢٥٦.
(٢) انظر: الهجاء والهجاءون لمِحمد محمد حسين ١٦٧.
(٣) انظر: شعر المخضرمين للجبوري ٣٤٨.
(٤) انظر: المصدر السابق ٢٥٥، ٣٤٩.
(٥) انظر: العصر الإسلامي لشوقي ضيف ٤٥، والتطور والتجديد في الشعر الأموي له ٢١.


الصفحة التالية
Icon