وَلَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا (١)
أي جازيناهم كما فعلوا، مثلُ: «كَمَا تَدِيْنُ تُدَان» (٢)». (٣)
تقديم أقوال العرب على الشاهد الشعري.
ومن صور ترتيب الشواهد في كتب التفسير تقديم أقوال العرب النثرية على الشاهد الشعري، ثم إتباعها بالشاهد الشعري. ومن أمثلة هذه الصورة في الترتيب قول الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)﴾ [الأنعام: ١٠٩] ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] (٤): «.... وقيل: «أَنَّهَا» بِمَعنى «لَعَلَّها» مِن قول العرب: «ائتِ السُّوقَ أَنَّكَ تَشتري لَحْمًا». (٥) وقال امرؤ القيس:
عُوجَا عَلى الطَّللِ المَحِيلِ لأَنَّنَا نَبكي الديارَ كمَا بَكى ابنُ حَذامِ (٦)». (٧)
فقد قدَّمَ الزمخشريُّ القولَ الذي يُمثِّلُ به النحويونَ لهذه اللغة من كلام العرب على الشاهد الشعري في الترتيب، وموضع الشاهد في القولِ مُسْنَدٌ إلى مفردٍ «أَنَّكَ»، في حين أُسندَ في الشاهد الشعري إلى الجمع «لأَنَّنَا»، فقُدِّمَ المفردُ على الجمع.
- ومن الأمثلة كذلك على هذه الصورة قول ابن عطية: «.... الدِّيْنُ بِمَعنى العَادةِ، فمنه قول العرب في الريح: «عَادَتْ هَيفٌ لأَدْيَانِهَا» (٨)، ومنه قول امرئ القيس:
_________
(١) انظر: شرح الحماسة للمرزوقي ١/ ٣٥.
(٢) انظر: مجمع الأمثال ٢/ ١٥٥.
(٣) المحرر الوجيز ١/ ٢٨٨.
(٤) الأنعام ١٠٩.
(٥) أراد: ائت السوق لعلك تشتري لحمًا، وهذا وجه من أوجه (أَنَّ) المفتوحة المشددة، أن تكون بمعنى لعل. وذكر القرطبي أن مجيء «أن» بمعنى «لعل» كثير في كلام العرب. انظر: تفسير القرطبي ٧/ ٦٥، الجنى الداني ٤١٧ - ٤١٨، رصف المباني ١٢٧، مغني اللبيب ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣، دراسات لأسلوب القرآن لعضيمة ١/ ٥٠١.
(٦) أراد: لعلنا نبكي. انظر: ديوانه ١١٤.
(٧) الكشاف ٢/ ٥٧.
(٨) أي: لِعَاداتِها، وهيف: ريح حارة تأتي من اليمن، تُجفف ورق الشجر وتيبسه وتسقطه. انظر: لسان العرب ١٥/ ١٨١ (هيف).


الصفحة التالية
Icon