أتينا عليها إن شاء الله تعالى، وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه». (١)
ثم أخذ الطبريُّ في كل المواضع التي ورد فيها ذِكْرُ الظلمِ بِمَعنى: وضع الشيء في غير موضعه يُحيلُ فيه إلى هذا الموضع بقوله: «وقد دللنا فيما مضى على معنى «الظلم» وأَصلهِ بشواهدهِ الدالة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع». (٢)
حتى إذا جاء إلى معنى جديدٍ من معاني الظلم وهو «النَّقْصُ»، في قوله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] (٣) قال: «يقول: ولم تَنْقُص مِن الأُكُلِ شيئًا، بل آتت ذلك تامًا كاملًا، ومنه قولهم: ظَلَمَ فلانٌ فلانًا حَقَّهُ، إذا بَخَسَهُ ونَقَصَهُ، كما قالَ الشاعرُ (٤):

تَظَلَّمَنِي مَالي كَذَا وَلَوَى يَدِي لَوَى يَدَهُ اللهُ الذي هُوَ غَالِبُهْ (٥)» (٦).
فراعى الطبريُّ سياقَ الآيات، والمعاني التي تُفهمُ بناءً على السياق، وأورد الشاهد الشعريَّ المناسبَ لِمَعنى اللفظةِ في سياق الآيات التي يفسرها، فعندما ورد الظلم في الآية بِمعنى وضع الشيء في غير موضعه أورد من الشواهد الشعرية ما يشهد لهذا المعنى في لغة العرب، وكلما وردت آية، وذُكرَ فيها الظلمُ بِمعنى وضع الشيء في غير موضعهِ أحال إلى الموضع الأولِ الذي فَسَّرَ فيه معنى الظلمِ بشواهده من الشعر، فلما وردت كلمة الظلم بمعنى النقص، أورد لها من الشواهد الشعرية ما يدل على ورود الظلم في لغة العرب بِمعنى النَّقْصِ، وهذا من مراعاة السياق في التفسير والاستشهاد بالشواهد المناسبة للسياق من الشعر.
_________
(١) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٥٢٣.
(٢) تفسير الطبري (شاكر) ٤/ ٥٨٤، ٥/ ٣٨٤، ٤٣٧.
(٣) الكهف ٣٣.
(٤) هو أبو منازل فرعان بن الأعرف.
(٥) انظر: عيون الأخبار ٣/ ٨٧، لسان العرب ٢/ ٢٩٣ (جعد)، شرح ديوان الحماسة ٣/ ١٤٤٥.
(٦) تفسير الطبري (هجر) ١٥/ ٢٥٨.


الصفحة التالية
Icon