وقد دافع الجرجاني عن رأيه هذا، بأن الشعراء وإن ذُمُّوا في القرآن فإن ذلك لا يكون سببًا في ذم الشعر وعدم الاستشهاد به في تفسير غريب القرآن؛ لأنه يبعد عن الغرض الذي له روي الشعر، ومن أجله أُرِيدَ وله دُوِّنَ، وأن ذاك يلزم منه أن يعيبَ العلماءَ في استشهادهم بشعر امرئ القيس، وأشعار أهل الجاهلية في تفسير القرآن، وفي غريبة وغريب الحديث (١).
ويقول الألوسي: «وقد ذم العلماء جريرًا والفرزدق في تهاجيهما، ولم يذموا من استشهد بذلك على إعراب وغيره من علم اللسان» (٢)، ولذلك لم يبال الرواة - في الغالب- بما اشتملت عليه الأشعار من سفاهات في معانيها، إذا كانت من حيث اللغة حجةً، ولذلك يقول الرافعي: «ولا يبالي الرواة في هذه الشواهد إلا باللفظ، فيستشهدون بكثير من كلام سفهاء الأعراب وأجلافهم، ولا يأنفون أن يعدوا من ذلك أشعارهم التي فيها الخنا والفحش؛ لأنهم يريدون منها الألفاظ وهي حروف طاهرة» (٣).
وهناك فريق من العلماء لم يكن يرى التساهل برواية مثل هذه الشواهد، فقد كان أبو عمرو بن العلاء (ت ١٥٤ هـ) وهو إِمامُ العلماء الرواة لا يرى رواية شعر أبي نواس، ويعزو سبب ذلك إلى مضمون شعره لا إلى لغته، حيث يقول: «لولا ما أخذَ فيه أبو نواس من الإِرفاثِ لاحتَجَجْنَا بِشعرهِ» (٤)، وقال أبو عمرو الشيباني: «لولا أَنَّ أبا نواس أَفسد شعره بهذه الأقذار لاحتججنا به، لأَنَّهُ مُحكمُ القَول لا يُخطئ» (٥)، غير أن شعرهم روي لقيمة شواهده، ولم يغلب هذا الرأي المخالف في رواية
_________
(١) المصدر السابق ٢٧.
(٢) روح المعاني ١٩/ ١٥١.
(٣) تاريخ آداب العرب ١/ ٣٥٥.
(٤) نقد الشعر لقدامة ٨١.
(٥) خزانة الأدب ١/ ٣٤٨.


الصفحة التالية
Icon