فقال الطبري: «فإذا كان... غيرُ جائزٍ عندنا أن يتعدى ما أجْمعت عليه الحجةُ، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم. وإذا كان ذلك كذلك، وكان المعروفُ من معنى الحَرْدِ في كلام العرب القَصْدَ، من قولهم: قد حَرِدَ فلانٌ حَرْدَ فُلانٍ: إذا قَصَدَ قَصْدَهُ، ومنه قولُ الراجزِ:

وجَاءَ سيلٌ كانَ مِنْ أمرِ اللهْ يَحْرِدُ حَرْدَ الجِنةِ المُغلةْ
يعني: يقصدُ قصدَها، صحَّ أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥)﴾ وغدوا على أمرٍ قد قصدوهُ واعتمدوهُ واستسروهُ بينهم قادرين عليه في أنفسهم» (١).
واستشهدوا به على حذف اللام الأخيرة من لفظ الجلالة (الله) من باب التخفيف، وهي لغة لبعض العرب، قال ابن عطية: «وحذفت الألف الأخيرة من «الله» لئلا يُشكلَ بِخطِّ اللاتِ، وقيل: طرحت تَخفيفًا، وقيل: هي لغةٌ فاستعملت في الخط، ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي:
أَقبلَ سيلٌ جاءَ مِن أمرِ الله يَحْرِدُ حَرْدَ الجنَّةِ المُغلَّهْ» (٢).
كما استشهدوا به على التخفيف في اللغة فقال القرطبي: «وحكى المهدوي عن النخعي وإبن وثاب ثلاث وربع بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع إستخفافا كما قال:
أَقبلَ سيلٌ جاءَ مِن عندِ الله يَحْرِدُ حَرْدَ الجنَّةِ المُغلَّهْ» (٣).
فهذه ثلاثة أوجه استُشهدَ عليها بشاهد شعري واحد، بحيث استوفى المفسرون ما فيه من أوجه الاستشهاد، وربما زادت أوجه الاستشهاد في بعض الأبيات عن هذا، وربما لم يكن في البيت إلا وجه واحد، وكل
_________
(١) تفسير الطبري (هجر) ٢٣/ ١٧٩، المحرر الوجيز ١٦/ ٨٢ - ٨٣، الجامع لأحكام القرآن ١٨/ ٢٤٢.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ٥٨.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٥/ ١٦.


الصفحة التالية
Icon