- ومن أمثلة ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: -ayah text-primary">﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾ [البقرة: ١٧٧] (١)، وهو يُبَيّنُ سَببَ نَصْبِ -ayah text-primary">﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ في هذه القراءة، حيث يقولُ: «وأَمَّا (الصَّابرين) فَنَصْبٌ، وهو مِنْ نَعْتِ «مَنْ» على وجه المدح؛ لأَنَّ من شأن العَرَب - إذا تطاولت صفةُ الواحد - الاعتراضُ بالمدحِ والذمِّ بالنصب أَحيانًا، وبالرَّفع أحيانًا، كما قال الشاعرُ (٢):

إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمَامِ وَلَيْثَ الكَتيبةِ في المُزْدَحَمْ
وذَا الرأَي حِينَ تُغَمُّ الأُمُورُ بذَاتِ الصَّلِيلِ وذَاتِ اللُّجُمْ (٣)
فَنَصَبَ «ليثَ الكتيبةِ» و «ذَا الرأي» عَلى المدحِ، والاسمُ قبلَهُما مَخفوضٌ؛ لأَنَّه من صفةِ واحدٍ، ومنه قول الآخر:
فليتَ التي فيها النُّجومُ تَواضَعَتْ عَلى كُلِّ غَثٍّ مِنهمُ وسَمَينِ
غُيُوثَ الوَرَى في كُلِّ مَحْلٍ وَأَزْمَةٍ أُسُودَ الشَّرَى يَحْمينَ كُلَّ عَرِينِ» (٤).
فقد اعتمد الطبري في هذه المسألة النحوية، وهي وجه نصب «الصَّابرينَ» في هذه الآية، على شاهدين من شواهد الشعرِ المُحتج به، مع بيان وجه الاستشهاد فيهما، وحكى القول الآخر في توجيه النصب بصيغةٍ تدل على تضعيف هذا القول فقال: «وقد زعم بعضهم (٥) أن قوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾ نُصِبَ عَطفًا على ﴿وَالسَّائِلِينَ﴾ [البقرة: ١٧٧]» (٦). ولم يزد على ذلك، مما يدل على اعتماده التوجيه الذي تشهد له شواهد الشعر، والتي أورد شاهدين منها.
_________
(١) البقرة ١٧٧.
(٢) لم أعرف قائلهما.
(٣) معاني القرآن للفراء ١/ ١٠٥، خزانة الأدب ١/ ٤٥١، الإنصاف ٣٧٦.
(٤) تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ٣٥٢ - ٣٥٣.
(٥) هو الفراء كما في معاني القرآن ١/ ١٠٨ وما بعدها.
(٦) تفسير القرطبي (شاكر) ٣/ ٣٥٣.


الصفحة التالية
Icon