وكتبُ التفسيرِ حافلةٌ بالشواهد الشعرية، مما يدلُّ على أَنَّهم يرونَهُ جائزًا، وإن كان بعضُ العلماءِ يتورع عن مثل هذا، كما فعل أَحْمدُ بن فارس (١) عندما استشهد ببيتٍ للأَعشى (٢) وهو قوله:

لو أَسْنَدَتْ مَيْتًا إِلى نَحْرِهَا عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلى قَابِرِ (٣)
ثُمَّ استشهدَ بعدَهُ بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)﴾ [عبس: ٢١] (٤)، حيث قال: «ولولا أَنَّ العلماءَ تَجوزُوا في هذا لَمَا رأينَا أَن يُجمعَ بينَ قولِ الله، وبينَ الشِّعْرِ في كتابٍ، فكيف في ورقةٍ، أو صفحةٍ، ولكنَّا اقتدينا بِهم، واللهُ تعالى يغفرُ لنَا، ويعفو عنَّا وعنهم» (٥). وغاية ما يدل عليه هذا النص ورعُ بعضِ العلماء عن الجمع في الاستشهاد بين الشعر والقرآن، مع إشارة ابن فارس إلى أَنَّ العلماء قد تواردوا على العمل بهذا في كتبهم ورواياتهم.
ولذلك يقول ابن الأنباري بعد أن أوردَ خَمسين مسألة من مسائل سأل نافعُ بن الأزرقِ (٦) عنها عبدَالله بن عباس، فكان ابن عباس يجيبه
_________
= عتبة نحوه عن ابن عباس، كما أخرجه سعيد بن منصور في التفسير رقم ٩١، وأحمد في الفضائل رقم ١٨٦٥ وأبو عبيد في فضائل القرآن ٣٤٣، وغريب الحديث ٤/ ٣٧٣، والبيهقي في شعب الإيمان رقم ١٦٨١.
(١) هو أحمد بن فارس بن زكريا الرازي العلامة اللغوي الثقة، توفي عام ٣٩٥ هـ، من كتبه مقاييس اللغة، والصاحبي في فقه اللغة، وغيرها. انظر: معجم الأدباء ١/ ٥٣٣.
(٢) هو أبو بصير ميمون بن قيس البكري، اشتهر بالأعشى الكبير، ولقب بصنَّاجةِ العرب، عده ابن سلام من الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، وهو أكثر من استشهد المفسرون بشعره من شعراء الجاهلية. انظر: الشعر والشعراء ١/ ٢٥٧، معجم الشعراء لعفيف عبدالرحمن ٣٢٥.
(٣) انظر: ديوانه ٩٣.
(٤) عبس ٢١.
(٥) مقاييس اللغة ٥/ ٤٧.
(٦) هو أبو راشد نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي الحروري، رأس فرقة الأزارقة من الخوارج، وإليه ينسبون، كان أمير قومه وفقيههم، من أهل البصرة، كان كثيرًا ما يسأل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن مسائل من القرآن الكريم والعلم، وكانت بينهما مكاتبات، قُتِل نافع بن الأزرق في وقعة دولاب عام ٦٥ هـ. انظر: الكامل ٣/ ١١٠٢، لسان الميزان ٦/ ١٤٤.


الصفحة التالية
Icon