وقد أحصيت الشواهد الشعرية في تفسير القشيري هذا فبلغت ٦٨٣ شاهدًا شعريًا ساقها كلها مساقًا إشاريًا، غير المعنى الظاهر. وكثير من هذه الأبيات الشعرية التي أوردها قد اعتراها اختلال في الوزن، وربما يكون الخلل من الناسخ. وقد أورد كثيرًا من الشواهد الشعرية التي يوردها غيره من المفسرين، مع اختلاف وجه الاستشهاد.
مثال ذلك قوله عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] (١): «وقد توهم بعض الناس أن توبة بني إسرائيل كانت أشق، ولا كما توهموا؛ فإن ذلك كان مقاساة القتل مرة واحدة، وأما أهل الخصوص من هذه الأمة ففي كل لحظة قتل، ولهذا:

ليسَ مَنْ مات فاستراح بِمَيْتٍ إِنَّمَا المَيْتُ مَيّتُ الأحياءِ (٢)
وقتلُ النفسِ في الحقيقةِ التَّبَرِّي عن حَولِها وقُوتِها أو شهود شيءٍ منها، ورَدِّ دعواها إليها فأَمَّا بقاءُ الرسومِ والهياكلِ فلا خَطَرَ لَهُ ولا عِبْرَة به» (٣).
في حين أَنَّ المفسرين يوردون هذا الشاهد الشعري للاستشهاد به على التفريق بين صيغةِ «مَيْت» بالتخفيف، و «مَيّت» بالتشديد. فذهب جَماعةٌ من اللغويين إلى أَنَّ «التشديد والتخفيف في مَيّت ومَيْت لغتان» (٤)، ولا فرق بينهما في المعنى، وقد اختاره الطبري (٥).
وذهب آخرون إلى أَنَّه بالتشديد يدلُّ على ما لم يَمُت بعدُ،
_________
(١) البقرة ٥٤.
(٢) البيت للشاعر الجاهلي عَديّ بن رعلاء الغساني، والرعلاء أمه. والبيت مع ترجمة الشاعر في معجم الشعراء للمرزباني ٨٦، ونسبه ياقوت الحموي لصالح بن عبدالقدوس كما في معجم الأدباء ٣/ ٤٢٠.
(٣) لطائف الإشارات للقسطلاني ١/ ٧٥.
(٤) تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ٣١٨، المحرر الوجيز ٢/ ٤٧ - ٤٨، الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٤٦.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ٣١٩.


الصفحة التالية
Icon