كالأصمعيِّ وابنِ الأعرابيِّ، أَعني أَنَّ كلَّ واحدٍ منهم يذهبُ في أهلِ عصرهِ هذا المذهب، ويقدم من قبلهم، وليس ذلك إِلَّا لحاجتهم في الشعر إلى الشاهدِ، وقِلَّةِ ثقتهم بِما يأَتي به المُولَّدون، ثُمَّ صارت لجاجةً». (١) وقصةُ عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مع الفرزدق مشهورة (٢).
الثاني: الذين يرون صحة الاستشهاد بشعر هذه الطبقة، وهم جُمهورُ أهلِ اللغةِ كالخليلِ بن أحْمد (٣)، ويونس بن حبيب، وسيبويه وغيرهم. فقد كان يونسُ يُفضِّلُ الفرزدق، ويقول: «لولا الفرزدقُ لذهب شعرُ العرب» (٤). وابن سلَّام (٢٣١ هـ) يفضلُ جَريرًا والفرزدقَ، على ذي الرمةِ، ويقول عنه: «هو دُونَهما ويساويهما في بعضِ شعره» (٥). ويقول البغداديُّ: «وقد أَجْمعَ علماءُ الشِّعْرِ على أَنَّ جريرًا والفرزدق والأخطلَ، مُقدَّمونَ على سائر شعراء الإسلام» (٦).
والذي استقرَّ عليه الأمرُ، وسار عليه المفسرون واللغويون، جوازُ الاستشهاد بشعر هذه الطبقة، وهو ما سار عليه أهل العربية (٧)، وكثير من شواهد التفسير منسوبةٌ لشعراءِ هذه الطبقةِ، فهم في كتب التفسير يكادون
_________
(١) العمدة في صناعة الشعر ونقده ١/ ٩١.
(٢) انظر: الشعر والشعراء ١/ ٨٩، ٤٨٠، معاني القرآن للفراء ٢/ ١٨٣، وخزانة الأدب ٥/ ١٤٤ - ١٤٥.
(٣) احتجَّ الأصبهانيُّ على أَنَّ كتاب العين لم يكن كُلُّه من تصنيف الخليل بقوله: «ومِمَّا يدلُّ على هذا استشهادهم بأشعارِ المولَّدين، مِمَّا لم يكن الخليلُ يلتفت إليه، ولا يَستشهدُ بِمِثلهِ. وقد علَّمت في العين والحاء والراء وغيرها على أكثر من أربعين بيتًا للمحدثين، مثل سليمان بن يزيد العدوي، وصالح بن عبدالقدوس، وسابق وبشار ومن في طبقتهم، بل وجدت فيه شيئًا من شعر أبي دلامة، والحسن بن هانئ، وهذا أدل دليل على أنَّ الكتابَ مُفْسَدٌ مَزيدٌ فيه». انظر: شرح ما يقع فيه التصحيف ٥٨ - ٥٩.
(٤) خزانة الأدب ١/ ٢٢٠.
(٥) طبقات فحول الشعراء ٢/ ٥٥٠ - ٥٥١.
(٦) خزانة الأدب ١/ ٧٦.
(٧) انظر: خزانة الأدب ١/ ٥.


الصفحة التالية
Icon