أنهما في القرآن منفصلان، فلم تقوَ الواو والياء المنفصلتان على الإدغام، كما لم تقو الواو والياء المتصلتان على إدغام الواو والياء في السين في اسم: موسى وعيسى؛ لتباين مخرج الواو والسين؛ لأن الواو من حروف الشفتين، والسين من حروف الفم، فلذلك لم يجز إدغامها في السين، وكذا الياء أيضا، مخرجها وإن كان مقاربا لمخرج السين، فبينهما تباين؛ لأن الياء مخرجها ما بين اللسان والحنك، والسين من طرف اللسان وبين الثنايا، وبينهما بون كبير؛ فلذلك لم تقو الواو والياء على الإدغام في السين في اسم: موسى وعيسى، ولو كان حرفا اللين أيضا قد لقيا مثلهما في كلمة لأظهرتا نحو: قوول وسوير، حملا على قاول وساير، ولا أعلمه جاء في القرآن.
فأما إن كان الأول حرف لين نحو: "عصوا وَّكانوا" [البقرة: ٦١] و ﴿اتَّقَوْا وَآمَنُوا﴾ [المائدة: ٩٣] ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ﴾ [الطلاق: ٤] في قراءة أبي عمرو والبزي فسبيله سبيل سائر الحروف الصحاح من الإدغام.
قال سيبويه: "وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسرا، واخشوا واقدا؛ أدغمت؛ لأنهما ليسا بحرفي مد كالألف، وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، واذهب بنا، فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام؛ لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواء، وليس بينهما حاجز".
قال أبو جعفر: وقد روى أبو سليمان عن قالون، والشموني عن الأعشى١: ﴿عَصَوْا وَكَانُوا﴾ ونحوه، بإشباع مد الواو وترك الإدغام، ولا يؤخذ به، وله وجه من القياس، وهو حمل الوصل على الوقف.
قال أبو جعفر: فأما ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ﴾ فذهب طاهر بن غلبون إلى أنه مظهر في قراءة أبي عمرو والبزي، وتابعه على ذلك عثمان بن سعيد، قالا: لأن البدل عارض مع ما لحق الكلمة من الإعلال إن حذفت الياء من آخرها، وأبدلت الهمزة ياء، فلو أدغمت لاجتمع في ذلك ثلاثة إعلالات، قال طاهر: ولو أدغم ذلك لجاءت به الرواية.