ونذكر أشياء جرت عادة القراء بذكرها للخلاف الواقع في بعضها، ولتخوفهم على القارئ من اللحن والإدغام.
من ذلك الفاء: لا يجوز إدغامها في الميم والواو والباء؛ لأنها انحدرت إلى الفم حتى قاربت مخرج الثاء، نحو: ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٣]، و ﴿نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧] و ﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ [طه: ٦٩]، و ﴿لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت: ٣٣]، و ﴿لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ﴾ [الذاريات: ٢٨]، و ﴿ق وَالْقُرْآنِ﴾ [ق: ١] و ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ﴾ [سبأ: ٩] وليس في القرآن من الفاء عند الباء غيره، وقد قرأه الكسائي مدغما١، ووجهه أنها من حروف الشفة، وأن الباء مجهورة والفاء مهموسة.
ومن ذلك الميم عند الفاء والواو: نحو: ﴿هُمْ فِيهَا﴾، ﴿يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] و ﴿نَعَمْ فَأَذَّنَ﴾ [الأعراف: ٤٤]، و ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢]، و ﴿عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٧]، و ﴿هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٠]، و ﴿مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ﴾ [لقمان: ٢٢] وشبه ذلك حيث سكنت، لا يجوز في شيء منه الإدغام لما فيه من الإخلال بالغنة، فالحكم أن تظهر الميم عندهما، وتبين بيانا حسنا من غير تكلف.
وحدثنا أبي -رضي الله عنه- حدثنا الحسين بن عبيد الله الحضرمي، حدثنا عبد الوهاب بن محمد، حدثنا الأهوازي قال: قرأت لابن برزة عن الدوري، يعني عن أبي عمرو بإخفائها عندهما، وهو مذهب أبي العباس المعدل وأبي علي الحريري وأبي جزء العدوي وغيرهم من قَرَأَة٢ البصريين، وهو اختيارهم في سائر القراءات، قال: وقرأت على ابن جرير عن السوسي بإخفائها عند الفاء وحدها حيث سكنت عندها، وهو مذهب الفضل بن شاذان وبنيه وغيرهم من قرأة الرازيين، قال: وقرأت للباقين -يعني من السبعة- بإظهارها حيث سكنت عندهما،

١ أي: أدغم في قوله تعالى: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ﴾ لا غير.
٢ أي: قراء.


الصفحة التالية
Icon