المبحث السادس: المساجد التي يعتكف فيها
أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد لقول الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ (١). ولكن اختلفوا في المساجد التي يجوز الاعتكاف فيها على أقوال ثلاثة:
أ- يجوز الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، لأن الاعتكاف في غيره يفضي إلى ترك الجماعة وهي واجبة، أو تكرار الخروج إليها كثيرا. أما الذي لا تلزمه صلاة الجماعة، أو كان اعتكافه مدة غير وقت الصلاة كليلة فيجوز في كل مسجد. وهذا مذهب الإمام أحمد (٢) ورواية عن أبي حنيفة (٣).
ب- يجوز الاعتكاف في كل مسجد لظاهر الآية. وهذا قول الأحناف والمالكية والشافعية (٤)، حتى قال الأحناف: لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ويكره لها الاعتكاف في مسجد الجماعة، لأن صلاتها في البيت أفضل من صلاتها في المسجد ولو لم يكن لها مسجد تجعل موضعا في بيتها تعتكف فيه (٥).
ويجاب عن هذا: بأن الصلاة لا اعتبار بها، لأن صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة ولا يصح أن يعتكف فيه، ثم إنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكما لجواز لبثها فيه حائضاً وجنباً (٦). ثم إن نساء النبي ﷺ اعتكفن
(٢) انظر المغني ٣/١٨٨-١٨٩ والروض المربع مع الحاشية ٣/٤٧٨-٤٧٩.
(٣) انظر بدائع الصنائع ٢/١١٣.
(٤) انظر أحكام القرآن للجصاص ٢/٣٠٢ والمنتقى للباجي ٢/٧٨-٧٩ والمجموع ٦/٤٨٠.
(٥) انظر أحكام القرآن للجصاص ٢/٣٠٣ والهداية ١/١٣٣.
(٦) وانظر المغني ٣/١٨٩-١٩٠ والروض المربع مع الحاشية ٣/٤٨٠.