ما فعله ويفعله المسلمون الخلص كل يوم وبلغ به الأعاجم مكانة في اللغة بزوا فيها العرب وما كانوا ليبلغوها لولا هذا الحافز الديني.
كان هذا القدر كافياً في الدلالة على أنه ليس ثمة ما يحرم ترجمة معاني القرآن لأي لغة أخرى بغرض تبليغ الدعوة الإسلامية إلى القاصي والداني، وما دامت الترجمة لم تحرم بالنص الشرعي ولم يجمع على تحريمها بناء على ذلك فقد أصبحت من الأمور الجائزة شرعا عملا بقاعدة: (إن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد الحظر).
ولكن الترجمة في نظري تتمتع بما هو أكثر من الجواز الشرعي فبينما انعدمت واندفعت النصوص والأدلة المانعة لها تضافرت الأدلة القوية المجوزة والموجبة لها، ابتداء من عمل وإقرار الرسول ﷺ للترجمة وانتهاء بالشروح والتفسيرات والتخريجات المبنية على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وسبل الاجتهاد الأخرى.
وفوق هذا وذاك هناك توجيه ثالث ينبغي أن لا يفوت على المسلمين: ذلك أن الرسول ﷺ قد ابتعثه الله خاتما للنبيين وأرسله إلى الناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون أرسله بشيرا ونذيرا ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. فقال تعالى:
١- ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ ١.
٢- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ ٢.
٣- ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ ٣.
وأمر الرسول ﷺ بأداء هذه الرسالة وتبليغ الأمانة. فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ ٤. وقال ﷺ في نهاية وصيته لأصحابه في حجة الوداع: "ألا هل بلغت". قالوا: بلى. قال: "اللهم فاشهد ثلاثا. ليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى ممن سمع". كما ينبغي أن يؤدى الواجب وأمر المسلمين أن يحملوا الراية من بعده إلى يوم الدين إذ لا نبي بعده.
وكما يقول الإمام الشاطبي: "وذلك أن العالم وارث النبي ﷺ فالبيان في حقه لابد منه من حيث هو عالم والدليل على ذلك أمران: أحدهما: ما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء وهو معنى صحيح ثابت ويلزم من كونه وارثاً قيامه قيام مورثه في البيان وإذا كان البيان فرضاً على المورث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضاً، ولا فرق في البيان بين ما هو مشكل أو

الفرقان: (١). ١
النساء: (١٧٤). ٢
الأنعام: (١٩). ٣
المائدة: (٦٧). ٤


الصفحة التالية
Icon