القرآن. ولنفس السبب سمى الشيخ أبو بكر غومي ترجمته للقرآن إلى لغة الهوسا: معاني للقرآن بلغة هوسا.
وفي الحقيقة فإن القول بأن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه فقط تقليل من شأن القرآن وانتقاص من قدره ١ ذلك أن المعنى والموضوع عاملان مهمان بالنسبة لجمال أي عمل.. ورغم أن إعجاز القرآن اللفظي مع غيره كان التحدي المباشر للعرب إلا أن معانيه وأحكامه وقصصه وأهدافه وتعاليمه ونبوءاته كل هذه مع غيرها تكون الإعجاز القرآني وإليك هذه المقتطفات التي تبين أن الإعجاز ليس قاصرا على النظم وحده.
يقول الإمام السيوطي: "اعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي:
إما حسية وإما عقلية، وأكثر معجزات بني إسرائيل حسية، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية، ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزات العقلية الباقية ليراها ذووا البصائر كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا". أخرجه البخاري.
قيل: إن معناه إن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عمر من الأعمار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون دليلا على صحة دعواه. وقيل: المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا" ٢.
وقال الجاحظ: "بعث الله محمداً أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيباً وأحكم ما كانت لغة وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته. ودعاهم بالحجة وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ويدعوهم صباحاً ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذباً بسورة واحدة أو بآيات يسيرة وكلما ازداد تحدياً لهم بها لعجزهم عنها تكشف عن نقصهم ما كان مستورا وظهر منه ما كان خفياً فحين لم يجدوا حيلة. قالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم مالا نعرف فلذلك يمكنك مالا يمكننا. قال: "فهاتوها مفتريات" فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر فدل ذلك على عجز القوم مع كثرة كلامهم واستحالة لغتهم
٢ الإتقان في علوم القرآن (٢/١١٦-١١٧).