ويجوز أن تكون معطوفة على الآية قبلها مباشرة ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ... ﴾ الآية١.
إذ إنّ عبادتهم ما لا ينفع ولا يضر وادّعاءهم أنهم شفعاء لهم عند الله هو من ضمن افترائهم على الله سبحانه٢.
- قال الله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ﴾ أي عبدوا متجاوزين الله تبارك وتعالى إلى عبادة غيره ما ليس من شأنه الضرر ولا النفع، فإنّ من حق المعبود أن يكون مثيباً لمن أطاعه معاقباً لمن عصاه٣.
وإنّما قدّم نفي الضرر لأنّ أدنى أحكام العبادة دفع الضرر الذي هو أوّل المنافع، كما أنّ العبادة أمر حادث مسبوق بالعدم الذي هو مظنة الضرر، فحيث لم تقدر الأصنام على الضرر لم يوجد لإحداث العبادة سبب٤.
وهذه أوّل حجة في الآية على نقض وإبطال دعوى شركهم بالله تعالى؛ فإنّ الذي لا يملك ضراً ولا نفعاً لا يستحق أن يُعبد؛ بل الذي يملكهما هو الذي ينبغي أن تصرف العبادة إليه، وما ذاك إلاّ الله -عزّ وجلّ - وهي حجة جدّ قوية في بابها. ألا نسمع لقول إبراهيم - عليه السلام - محاجاً قومه في عبادتهم للأوثان من دون الله ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ٥.
٢ انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١١ ص١٢٥.
٣ انظر فتح القدير للشوكاني ج٢ ص٤٤٩.
٤ تفسير أبي السعود: ج٤ ص١٣١.
٥ سورة الأنبياء: الآيتان (٦٦، ٦٧).