المبحث التاسع: في آية سورة الطور:
قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ١.
مطلب في بيان الآية ووجه الصلة بما قبلها:
هذه الآية الكريمة بما جاء في خاتمتها من تسبيح الله ذاته العليّة تأتي في ختام حملة متلاحقة قوية -ضد المشركين- تدحض كلّ ما يقابلها من شبهة واهية تشبثوا بها أو حجة تمسّكوا بها.. وابتدأت هذه الحملة في جولاتها ب (أم) الاستفهامية التي يقصد منها التوبيخ والإنكار٢. وكانت هذه الآية هي الجولة الثالثة عشر التي اتسمت بهذا الأسلوب في هذه السورة، وبها جُرِّد المشركون من كلّ شبهاتهم وحججهم التي لا أساس لها من الصحة والواقع. يقول ابن عاشور: "هذا آخر سهم في كنانة الردّ عليهم، وأشدّ رمي لشبح كفرهم، وهو شبح الإشراك، وهو أجمع ضلال تنضوي تحته الضلالات وهو إشراكهم مع الله آلهة أخرى.."٣.
وهذه الجولة الخاتمة تعتبر المقصود الأعلى لهذه الآيات المتلاحقة إذ هي في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية.
وإنّ المتأمِّل في الآيات السابقة من قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ ٤ يجدها قد جاءت مرتبة متدرجة تفضي كلّ منها إلى ما بعدها لتحقيق المقصود، ولسامعها المتأمّل الطالب للهدى والحق سبيلاً واضحاً مبرهناً للإيمان
٢ انظر: تفسير البغوي ج٤ ص٢٤٢؛ تفسير ابن كثير ج٤ ص٢٤٤؛ حاشية الجمل على الجلالين ج٤ ص٢٢١.
٣ التحرير والتنوير لابن عاشور: ج٢٧ ص٧٨.
٤ سورة الطور: الآية (٣٠) والمراد إلى آية (٤٣).