المبحث العاشر
في آية سورة الصافات:
المطلب الأول: في بيان الموضع الأوّل:
قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ i.
- يخبر الله تعالى في الآية الكريمة الأولى (قبل آية التسبيح) أنّ المشركين جعلوا بقولهم بين الله -عز وجل- وبين الجنة قرباً ومصاهرة تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.
هذا وقد اختلف المفسرون في المراد بالجنّة والنسب اللْذين ذكرا في الآية. والأظهر أنّ المراد بالجنة أي الجماعة من الجنّ، والنسب - وهو ما أشرت إليه في مبحث سابق -بأنّ الملائكة- على زعم المشركين- هم بنات الله من سروات الجنّ أي من فريق من نساء الجنّ من أشرافهم.
والكلام على حذف مضاف أي ذوي نسب لله تعالى، وهو نسب البنوّة ويؤيدّ هذا القول سياق الآيات، فإنّ هذه الآية الكريمة ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبا..﴾ الواو فيها للعطف على ما يصلح العطف عليه ممّا قبلها وهو قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي وشفعوا قولهم: ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ فجعلوا بين الله وبين الجنّة نسباً بتلك الولادة، أي بيّنوا كيف حصلت تلك الولادة بأن جعلوها بين الله وبين الجنّة نسباً.
ويؤيّده –أيضاً- تتمة الآية ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُون﴾ أي والحال أنّ الجنة قد علمت أنّ الذين نسبوا إليهم ذلك القول من المشركين لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم وافترائهم في ذلك وقولهم الباطل بلا علمii.
ii انظر: تفسير ابن كثير ج٤ ص٢٣؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج٢٣ ص١٨٥- ١٨٦ تفسير السعدي ج٦ ص٤٠٢.