فِيهِ لِلطُّهْرِ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الدَّمَ وَيَجْمَعُهُ، وَالْحَيْضُ يُرْخِيهِ وَيُرْسِلُهُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِي الْعِدَدِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، سَوَاءٌ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ" (٤-الطَّلَاقِ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا نَظَرَ: إِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ، أَوْ لَا تَحِيضُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" (٢٣٤-الْبَقَرَةِ) وَإِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَاةِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا" (٤٩-الْأَحْزَابِ).
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ نَظَرَ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ أَوْ بَلَغَتْ فِي الْكِبَرِ سِنَّ الْآيِسَاتِ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ" (٤-الطَّلَاقِ).
وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ وَقَوْلُهُ ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَالْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَفِي الْوَفَاةِ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، وَفِي الطَّلَاقِ، إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا قَرْءَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ: وَقِيلَ شَهْرَانِ كَالْقُرْأَيْنِ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ طَلْقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي الْحَيْضَ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَ مُرَاجَعَتَهَا فَتَقُولُ: قَدْ حِضْتُ الثَّالِثَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْحَمْلَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ كِتْمَانُ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ لِتُبْطِلَ حَقَّ الزَّوْجِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَالْوَلَدِ ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنَاتِ وَإِنْ كَانَتِ الْمُؤْمِنَةُ وَالْكَافِرَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءً كَمَا تَقُولُ، أَدِّ حَقِّي إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا، يَعْنِي أَدَاءَ الْحُقُوقِ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ يَعْنِي أَزْوَاجَهُنَّ جَمْعُ بَعْلٍ، كَالْفُحُولَةِ جَمْعُ فَحْلٍ، سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا لِقِيَامِهِ بِأُمُورِ زَوْجَتِهِ وَأَصْلُ الْبَعْلِ السَّيِّدُ وَالْمَالِكُ ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ أَوْلَى بِرَجْعَتِهِنَّ إِلَيْهِمْ ﴿فِي ذَلِكَ﴾ أَيْ إِنْ أَرَادُوا بِالرَّجْعَةِ الصَّلَاحَ وَحَسُنَ الْعِشْرَةِ لَا الْإِضْرَارَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، رَاجَعَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا مُدَّةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ إِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَلَّقَهَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا ﴿وَلَهُنَّ﴾ أَيْ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ مِثْلُ