قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ﴾ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ﴾ الْبَاقِي الدَّائِمُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ مَنْ لَهُ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿الْقَيُّومُ﴾ قَرَأَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ "الْقَيَّامُ" وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ "الْقَيِّمُ" وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿الْقَيُّومُ﴾ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ ﴿شَيْءٍ﴾ (١) وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَقِيلَ هُوَ الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الَّذِي لَا يَزُولُ ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ السِّنَةُ: النُّعَاسُ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ، وَالْوَسْنَانُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ يُقَالُ مِنْهُ وَسِنَ يسن وَسَنًا وَسِنَةً وَالنَّوْمُ هُوَ الثَّقِيلُ الْمُزِيلُ لِلْقُوَّةِ وَالْعَقْلِ، قَالَ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ، فَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَهُوَ النُّعَاسُ، وَقِيلَ السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ وَالنُّعَاسُ فِي الْعَيْنِ وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ فَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ، نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ النَّوْمَ لِأَنَّهُ آفَةٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْآفَاتِ وَلِأَنَّهُ تُغَيُّرٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ الْقِسْطَ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" (٢). وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَقَالَ: حِجَابُهُ النَّارُ.
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ مُلْكًا وَخَلْقًا ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ بِأَمْرِهِ ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أَمْرُ الدُّنْيَا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أَمْرُ الْآخِرَةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ يَعْنِي الْآخِرَةَ لِأَنَّهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَيْهَا ﴿وَمَا خَلْفَهُمُ﴾ الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ يُخَلِّفُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا مَضَى أَمَامَهُمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا خَلْفَهُمْ أَيْ مَا كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَيْ مَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُمْ فَاعِلُوهُ ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ أَيْ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ أَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ يَعْنِي لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَّا بِمَا شَاءَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ (٣٦-الْجِنِّ) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أَيْ مَلَأَ وَأَحَاطَ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُرْسِيِّ فَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْعَرْشُ نَفْسُهُ
(٢) أخرجه مسلم: في الإيمان - باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام وفي قوله حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى والمصنف في شرح السنة: ١ / ١٧٣.