مَوْضُوعَةٌ كُلُّهَا" (١).
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعَةِ إِخْوَةٍ مِنْ ثَقِيفٍ، مَسْعُودٍ وَعَبْدِ يَالِيلَ وَحَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفٍ الثَّقَفِيِّ، كَانُوا يُدَايِنُونَ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ مَخْزُومٍ وَكَانُوا يُرْبُونَ فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ فَطَلَبُوا رِبَاهُمْ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ بَنُو الْمُغِيرَةِ: وَاللَّهِ مَا نُعْطِي الرِّبَا فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ وَكَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ فَكَتَبَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِصَّةِ الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ مَالًا عَظِيمًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ (٢).
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ أَيْ إِذَا لَمْ تَذَرُوَا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ فَآذِنُوا بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ آمِنُوا، أَيْ فَأَعْلِمُوا غَيْرَكُمْ أَنَّكُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ أَيْ أَوْقِعُوا فِي الْآذَانِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَأْذَنُوا مَقْصُورًا بِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ فَاعْلَمُوا أَنْتُمْ وَأَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُقَالُ لِآكِلِ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: حَرْبُ اللَّهِ: النَّارُ وَحَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ: السَّيْفُ.
﴿وَإِنْ تُبْتُمْ﴾ أَيْ تَرَكْتُمُ اسْتِحْلَالَ الرِّبَا وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ﴾ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بِالنُّقْصَانِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ قَالَ بَنُو عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ وَمَنْ كَانَ يُعَامِلُ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِهِمْ: بَلْ نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدَانِ لَنَا بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَرَضُوا بِرَأْسِ الْمَالِ، فَشَكَا بَنُو الْمُغِيرَةِ الْعُسْرَةَ وَقَالُوا: أَخِّرُونَا إِلَى أَنْ تُدْرَكَ الْغَلَّاتُ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَخِّرُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾
يَعْنِي وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُعْسِرًا، رَفَعَ الْكَلَامَ بِاسْمِ كَانَ وَلَمْ يأت لها بخير وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي النَّكِرَةِ، تَقُولُ، إن كان رجلا صالحا فَأَكْرِمْهُ، وَقِيلَ "كَانَ" بِمَعْنَى وَقَعَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ عُسْرَةٍ بِضَمِّ السِّينِ ﴿فَنَظِرَةٌ﴾ أَمْرٌ فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهِ نَظِرَةٌ ﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ قَرَأَ نَافِعٌ مَيْسَرَةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ مَيْسُرَةٍ بِضَمِّ السِّينِ مُضَافًا وَمَعْنَاهَا الْيَسَارُ وَالسَّعَةُ ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ أَيْ تَتْرُكُوا رُءُوسَ أَمْوَالِكُمْ إِلَى الْمُعْسِرِ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ قَرَأَ عَاصِمٌ تَصَدَّقُوا بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَالْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا.
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الطِّيبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِيكَالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدَانَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى
(٢) انظر: لباب النقول للسيوطي ص ١١٩، ١٢١.