اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ أَيْ عَهْدًا ثَقِيلًا وَمِيثَاقًا لَا نَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِهِ فَتُعَذِّبُنَا بِنَقْضِهِ وَتَرْكِهِ ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ، فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ فَعَذَّبْتَهُمْ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالْكَلْبِيِّ وَجَمَاعَةٍ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي" (٨١-آلِ عِمْرَانَ) أَيْ عَهْدِي، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُشَدِّدْ وَلَا تُغْلِظِ الْأَمْرَ عَلَيْنَا كَمَا شَدَدْتَ عَلَى مَنْ قَبِلْنَا مِنَ الْيَهُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً وَأَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ رُبْعِ أَمْوَالِهِمْ فِي الزَّكَاةِ وَمَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ قَطَعَهَا وَمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أَصْبَحَ وَذَنْبُهُ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِهِ وَنَحْوَهَا مِنَ الْأَثْقَالِ وَالْأَغْلَالِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ وَعَطَاءٍ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٍ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ" (١٥٧-الْأَعْرَافِ) وَقِيلَ: الْإِصْرُ ذَنْبٌ لَا تَوْبَةَ لَهُ، مَعْنَاهُ اعْصِمْنَا مِنْ مِثْلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْإِحْكَامُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُهُ وَقِيلَ هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةِ حُكِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْغُلْمَةُ، قِيلَ الْغُلْمَةُ: شِدَّةُ الشَّهْوَةِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: هُوَ الْحُبُّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: الْعِشْقُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ مَسْخُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَقِيلَ هُوَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ أَيْ تَجَاوَزْ وَامْحُ عَنَّا ذُنُوبَنَا ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ اسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا وَلَا تَفْضَحْنَا ﴿وَارْحَمْنَا﴾ فَإِنَّنَا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ إِلَّا بِطَاعَتِكَ، وَلَا نَتْرُكُ مَعْصِيَتَكَ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ نَاصِرُنَا وَحَافَظُنَا وَوَلِيُّنَا ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" وَفِي قَوْلِهِ لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قَالَ: "لَا أوأخذكم" ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ قَالَ: "لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ إِصْرًا" ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ قَالَ: "لَا أُحَمِّلُكُمْ" ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ إِلَى آخِرِهِ قَالَ "قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ، وَغَفَرْتُ لَكُمْ، وَرَحِمْتُكُمْ وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (٢).
وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِذَا خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ قَالَ: آمِينَ.
(٢) ذكره الطبري عند تفسير الآية: ٦ / ١٤٢-١٤٣ وانظر تعليق محمود شاكر في الحاشية.