وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ (٣١- عَبَسَ) فَقَالَ: وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لِأَيُّوبَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فَقُلْتُ: هُوَ أَنْ تَرَى لَهُ وُجُوهًا فَتَهَابَ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ، هُوَ ذَاكَ.
قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ وَذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ. فَأَمَّا التَّأْوِيلُ- وَهُوَ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُحْتَمَلٍ مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا غَيْرِ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ - فَقَدْ رُخِّصَ فِيهِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.
أَمَّا التَّفْسِيرُ: وَهُوَ الْكَلَامُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ وَشَأْنِهَا وَقِصَّتِهَا، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ.
وَأَصْلُ التَّفْسِيرِ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ: الدَّلِيلُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ الطَّبِيبُ فَيَكْشِفُ عَنْ عِلَّةِ الْمَرِيضِ، كَذَلِكَ الْمُفَسِّرُ يَكْشِفُ عَنْ شَأْنِ الْآيَةِ وَقِصَّتِهَا.
وَاشْتِقَاقُ التَّأْوِيلِ مِنَ الْأَوْلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ. يُقَالُ: أَوَّلْتُهُ فَآلَ أَيْ: صَرَفَتْهُ فَانْصَرَفَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي هُذَيْلٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ وَيُرْوَى لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ " (١) وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، قِيلَ: الظَّهْرُ لَفْظُ الْقُرْآنِ وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ. وَقِيلَ: الظَّهْرُ مَا حَدَّثَ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ عَصَوْا فَعُوقِبُوا فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ خَبَرٌ وَبَاطِنُهُ عِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا فَعَلُوا فَيَحِلَّ بِهِ مَا حَلَّ بِهِمْ وَقِيلَ مَعْنَى الظَّهْرِ

(١) رواه الطبري: ١/٢٢- ٢٣ برقم (١٠، ١١) بإسنادين ضعيفين، أما أحدهما: فلانقطاعة بجهالة راويه وأما الآخر: فمن أجل إبراهيم الهجري. فهو ضعيف، ضعفه ابن معين والنسائي وقال أبو حاتم: ليس بالقوي الجرح والتعديل ٢/١٣١، تهذيب الكمال ٢/٢٠٣، الضعفاء والمتروكين ص ٤٠ ميزان الاعتدال ١/٦٥ تهذيب التهذيب ١/١٦٤، تقريب التهذيب.
والفقرة الأولى منه عند البخاري في فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: ٩/٢٣.
ومسلم في صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف برقم (٨١٨) : ١/٥٦٠.
ورواه أيضًا: ابن حبان برقم (٧٤)، قال الهيثمي: رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط باختصار آخره، ورجال أحدهما ثقات،
مجمع الزوائد: ٧/١٥٢. والطحاوي في شكل الآثار ٤/٤٧٢.


الصفحة التالية
Icon