الْقَطْعِ، فَإِذَا تَلَقَّتْهُ أَلِفُ وَصْلٍ -وَقَبْلَ الْهَاءِ كَسْرٌ أَوْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ-ضَمَّ الْهَاءَ وَالْمِيمَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَكَسَرَهُمَا أَبُو عَمْرٍو وَكَذَلِكَ يَعْقُوبُ إِذَا انْكَسَرَ مَا قَبْلَهُ وَالْآخَرُونَ يَقْرَءُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ فِي الْكُلِّ لِأَجْلِ الْيَاءِ أَوْ لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا وَضَمُّ الْمِيمِ عَلَى الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي صِرَاطَ الَّذِينَ غَضِبْتَ عَلَيْهِمْ، وَالْغَضَبُ هُوَ إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنَ الْعُصَاةِ، وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْحَقُ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا يَلْحَقُ الْكَافِرِينَ.
﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ أَيْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ عَنِ الْهُدَى. وَأَصْلُ الضَّلَالِ الْهَلَاكُ وَالْغَيْبُوبَةُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ وَغَابَ. وغير هَاهُنَا بِمَعْنَى لَا وَلَا بِمَعْنَى غَيْرِ وَلِذَلِكَ جَازَ الْعَطْفُ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ غَيْرُ مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ. فَإِذَا كَانَ غَيْرَ بِمَعْنَى سِوَى فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهَا بِلَا وَلَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ: عِنْدِي سِوَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَا زَيْدٍ.
وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ. وَقِيلَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ وَالضَّالُّونَ: هُمُ النَّصَارَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالْغَضَبِ فَقَالَ: "مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ" (٦٠-الْمَائِدَةِ) وَحَكَمَ عَلَى النَّصَارَى بِالضَّلَالِ فَقَالَ "وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ" (٧٧-الْمَائِدَةِ) وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ (١) بِالْبِدْعَةِ، وَلَا الضَّالِّينَ عَنِ السُّنَّةِ.
وَالسُّنَّةُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ "آمِينَ" بِسَكْتَةٍ مَفْصُولَةٍ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ مُخَفَّفٌ وَيَجُوزُ (عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ) (٢) مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاسْتَجِبْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ كَذَلِكَ يَكُونُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: هُوَ طَابَعُ الدُّعَاءِ. وَقِيلَ هُوَ خَاتَمُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ يَدْفَعُ بِهِ الْآفَاتِ عَنْهُمْ كَخَاتَمِ الْكِتَابِ يَمْنَعُهُ مِنَ الْفَسَادِ وَظُهُورِ مَا فِيهِ.
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالَا أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا قَالَ الْإِمَامُ -غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ-فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (٣) صَحِيحٌ.
(٢) ساقط من ب.
(٣) أخرجه البخاري في الأذان، باب جهر الإمام بالتأمين: ٢ / ٢٦٢ ورواه أحمد: ٢ / ٢٣٣ عن أبي هريرة، والنسائي في الافتتاح باب جهر الإمام بآمين: ٢ / ١٤٤. وأخرجه المصنف في شرح السنة: ٣ / ٦١. وفي نسخة (أ) زيادة: (ما تأخر).