وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ. ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عمرو وما يخدعون كَالْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَجَعَلُوهُ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: وَمَا يَخْدَعُونَ عَلَى الْأَصْلِ.
﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ لِأَنَّ وَبَالَ خِدَاعِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُطْلِعُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْتَوْجِبُونَ الْعِقَابَ فِي الْعُقْبَى ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَنَّ وَبَالَ خِدَاعِهِمْ يَعُودُ عَلَيْهِمْ
﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ شَكٌّ وَنِفَاقٌ وَأَصْلُ الْمَرَضِ الضَّعْفُ. وَسُمِّيَ الشَّكُّ فِي الدِّينِ مَرَضًا لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الدِّينَ كَالْمَرَضِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ. ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ لِأَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ تَتْرَى، آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، كُلَّمَا كَفَرُوا بِآيَةٍ ازْدَادُوا كُفْرًا وَنِفَاقًا وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى "وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ" (١٢٥-التَّوْبَةِ) وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ فَزَادَهُمْ بِالْإِمَالَةِ وَزَادَ حَمْزَةُ إِمَالَةَ زَادَ حَيْثُ وَقَعَ وَزَاغَ وَخَابَ وَطَابَ وَحَاقَ وَضَاقَ، وَالْآخَرُونَ لَا يُمِيلُونَهَا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مُؤْلِمٌ يَخْلُصُ وَجَعُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ مَا لِلْمَصْدَرِ أَيْ بِتَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ يَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ بِكَذِبِهِمْ ﴿إِذْ﴾ (١) قَالُوا آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) ﴾
﴿وَإِذَا قِيلَ﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: "قِيلَ" وَ"غِيضَ" وَ"جِيءَ" وَ"حِيلَ" وَ"سِيقَ" وَ"سِيئَتْ" بِرَوْمِ أَوَائِلِهِنَّ الضَّمَّ -وَوَافَقَ ابْنَ عَامِرٍ فِي "سِيقَ" وَ"حِيلَ" وَ"سِيءَ" وَ"سِيئَتْ" -وَوَافَقَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي: سِيءَ وَسِيئَتْ لِأَنَّ أَصْلَهَا قُوِلَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، مِثْلَ قُتِلَ =وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهِ فَأُشِيرَ إِلَى الضَّمَّةِ لِتَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْوَاوِ الْمُنْقَلِبَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، اسْتَثْقَلُوا الْحَرَكَةَ عَلَى الْوَاوِ فَنَقَلُوا كَسْرَتَهَا إِلَى فَاءِ الْفِعْلِ وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ ما قبلها ٧/أ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ يَعْنِي لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ لِلْيَهُودِ أَيْ قَالَ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ بِالْكُفْرِ وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا، وَالْكُفْرُ أَشَدُّ فَسَادًا فِي الدِّينِ ﴿قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ كَذِبًا كَقَوْلِهِمْ آمَنَّا وَهُمْ كَاذِبُونَ
﴿أَلَا﴾ كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ يُنَبَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبُ ﴿إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالنَّاسَ بِالتَّعْوِيقِ عَنِ الْإِيمَانِ ﴿وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ صَلَاحٌ. وَقِيلَ: لَا يَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.